بقلم - عائشة سلطان
أتوقف دائماً أمام الروايات التي يكون أبطالها أو رواة أحداثها أطفالاً، لماذا؟ لأنها مغامرة أولاً، وتمكّن حقيقي من فن السرد وفن النظر للفن وللحياة، فأن يقدر كاتب على الحديث بلسان طفل، وأن يرى العالم ويفسره بعقلية هذا الطفل، وعلى امتداد صفحات طويلة نقرؤها فلا نشعر نحن الكبار بأي تكلف أو ملل، فذلك ليس بالأمر السهل أبداً!
فقليلون من ذهبوا إلى الصغار جاعلين منهم أبطالاً رئيسيين أو رواة لزمن القصّ العام في الرواية، وقليلون أيضاً من حققوا نجاحاً باهراً في ذلك، والحق أن معظم هذا التوجّه جاءنا من الغرب لتطور فن الرواية هناك، ولاعتبار الطفل حجر زاوية في الأدب وفي صناعة الكتاب، هذه الصناعة التي تتوجّه في جزء كبير منها للأطفال.
رواية «أوسكار والسيدة الوردية» التي كتبها الفرنسي إريك إيمانويل شميدت، وتقع في 96 صفحة فقط، واحدة من هذه الروايات، التي تحكي قصة الأيام الـ12 الأخيرة في حياة الطفل «أوسكار» المريض بالسرطان، ويتلقى علاجاً كيمياوياً لا ينجح للأسف في إنقاذه من الموت، «أوسكار» البطل والراوي معاً يحكي لنا في هذه الرواية القصيرة ما يمر به وما يشعر ويحلم ويتمنى، من خلال تلك الحوارات والعلاقة التي توثقت بينه وبين السيدة التي تتردد عليه في أيامه الأخيرة! رواية باذخة الجمال وعميقة بشكل لا ينسى.
قرأت بعد هذه الرواية أعمالاً أخرى استخدمت تقنية الراوي الطفل مثل: «في بلد الرجال» لليبي هشام مطر، «حكاية السيد زومر» للكاتب الألماني باتريك زوسكيند صاحب رواية «العطر» الشهيرة، «القط الذي علم النورس الطيران» للروائي التشيلي لويس سبولبيدا، وغيرها..
أن تتلصص على الحياة من خلال نافذة الرواية وبعين الكاتب فذلك مما اعتدناه، أما أن يمنح روائيون كبار المنظار والمفتاح ومصاريع الأبواب وأزقة المدن وعلاقات الناس للأطفال لنتلصص على كل ذلك عبر عيونهم، فتلك مغامرة نجح فيها كُتاب كبار فعلاً.