بقلم - عائشة سلطان
أتذكر تماماً ذلك اليوم الذي استضافتني فيه الأستاذة حصة العسيلي منذ عدة سنوات في برنامجها على أثير إذاعة الأولى، كان اللقاء شجياً دافئاً منحني بهجة مختلفة طيلة ذلك اليوم، وبقي عالقاً في ذاكرتي كما تعلق حبة سكر في طرف فمك، ولعل تلك الهدية التي قدمت لي وما زلت أحتفظ بها حتى اللحظة كانت حبة السكر تلك.
ما زلت أحتفظ بذلك المذياع الصغير (الراديو التقليدي الذي وجد في معظم البيوت) بغلافه الجلدي بني اللون، يذكرني ويشدني لأيام بعيدة بالكاد أتبين ملامحها، عندما كانت والدتي تجلس في فناء البيت في صباحات الخريف وأوائل الشتاء ترقب مسيرة النهار وحركة الحياة وهي تروي نباتات حديقتها، بينما يشتغل الراديو في خلفية الصورة مالئاً الفضاء والنهار ووقت والدتي بأصوات مقرئي القرآن ومذيعي البث المباشر ومقدمي نشرات الأخبار، وكانت لا تحب الأغاني، لذلك نادراً ما كان (راديو أمي) يبث الأغنيات.
كان قبل ذلك بكثير مذياع أكبر وأكثر قدماً وتقليدية، يحتل ركناً في البيت، كانت تلك سنوات أواخر السبعينيات، أيام كنا في الإعدادية، وكان للراديو مكانته وهيبته، فكل المسلسلات وبرامج إذاعة الـ«بي بي سي»، والبرامج الثقافية تعرفت عليها من ذلك الراديو، راديو أبي الذي كانت مهمته تبدأ في اللحظة التي يعود فيها والدي من عمله، عندها نصمت جميعنا، لتحتل أم كلثوم المشهد مع مقدمي نشرات الأخبار وكنت أكرهها لذلك السبب.
عام 1986 توفي والدي، واختفى المذياع من بيتنا ومن معظم البيوت، لم يعد أحد يستمع للإذاعة كما السابق، وبقيت أم كلثوم تغني بضع سنوات ثم حملت التسعينيات رياح التغيير الكبرى لكل المنطقة، ومنها اختفاء وصلة أم كلثوم في إذاعة دبي، لكن المفارقة أن تلك الصغيرة التي لطالما كرهت أم كلثوم ورثت عشق صوتها من أبيها حتى اليوم!