بقلم - عائشة سلطان
لا يزال ذلك المشهد في أحد الأفلام السينمائية عالقاً في مخيلتي، حيث تجلس سيدة متقدمة في العمر على كرسيها المتحرك، في غرفة معيشة واسعة حسنة الأثاث، تقرأ كتاباً بالفرنسية، وبين وقت وآخر تقلب محطات التلفزيون، بينما تنقل عينيها بين جهاز الهاتف وباب المدخل، وكأنها بانتظار أحد ما، أحد قد لا يأتي، وحين دق جرس الباب، كان القادم شاباً بسيطاً، هو في الحقيقة الموظف المعني بقراءة عداد الكهرباء!
تدخله السيدة بترحيب غامر، تتحدث إليه بأمومة واضحة، وتدير معه حواراً سلساً، كأنه أحد أبنائها، بل وتطلب منه بعد أن ينهي عمله، أن يعد لهما الشاي، فيفعل مرحّباً، ويجلس معها يحتسيان الشاي ويتبادلان الحديث، بينما كانت السعادة تغمرها بشكل واضح، تأخذ في الحديث عن أبنائها الأربعة، الذين كبروا وتزوجوا وفارقوها، ثم غادروا البلاد بلا عودة، وتركوها وحيدة، بانتظار زيارة لا تحدث، أو هاتف لا يرن أبداً.
يلمس الشاب حقيقة مشاعرها، ويتفهم احتياجها، فيعرض عليها أن يخرجا معاً، توافق بنزق طفولي، فيدفع كرسيها، ويخرجان في المدينة، يطوفان الأمكنة، ويستمتعان بأمور بسيطة جداً، تناول المثلجات، الضحك والفرجة على تفاصيل مبهجة في الحديقة، وأثناء التبضع في السوبر ماركت، يتغديان، وقرب المغرب يعود بها، يدخلها المنزل، ويتمنى لها ليلة سعيدة!
حين يودعها مستأذناً للذهاب، تضع في يده مبلغاً من المال، كأنما تكافئه، ينتفض الشاب، ويعيد المال للمرأة قائلاً: «إن السعادة التي شعرتِ بها طيلة هذا النهار، قد نلت منها أنا أيضاً، لقد كنت سعيداً مثلك، والأمر لا يحتاج منك إلى أي ثمن تدفعينه لي!».
يقول أحد الحكماء: «لتحظى بالسعادة، تذكر أن تحرر نفسك من الكره، وعقلك من الخوف والقلق، عِشْ الحياة دون تكلّف، وأعطِ أكثر، وتوقّع أقل القليل، وارضَ بما يأتيك».