بقلم - عائشة سلطان
في تاريخ الكتابة يقال إن الروائي المصري نجيب محفوظ توقف عن الكتابة الروائية تماماً بعد روايته البديعة الثلاثية التي نشرها عام 1953، وبعد 5 سنوات كاملة أنفقها في القراءة والتأمل خرج للعالم روايته المثيرة للجدل «أولاد حارتنا» في العام 1959 والتي لا تزال تثير الاختلاف حتى يومنا هذا.
وحينما اختارت لجنة جائزة نوبل محفوظ لتمنحه جائزتها، جاءت «أولاد حارتنا» ضمن الروايات التي ذكرت في حيثيات قرار لجنة الجائزة مع روايات أخرى شكلت المنجز اللغوي والأدبي لنجيب محفوظ، وفي الحقيقة فإن التركيز على التأويلات الدينية الصرفة للرواية قدم خدمة جليلة للسلطة في مصر عام 1959 تاركة محفوظ في مواجهة الأزهر ومن ثم المجتمع المصري متحاشية أية قراءة سياسية لم تكن لتصب في صالح الضباط الأحرار!
إن الذين قرأوا الرواية قراءة دينية صرفة حملوها أكثر مما تحتمل، فهي وإن تأثرت بالنص الديني، وتشبهت بجزء كبير من سياقات قصة الخلق وحياة الأنبياء، إلا أن محفوظ لم يدع ولم يعرف عنه أنه صرح في أي يوم بأنه كتب تفسيراً للكتب المقدسة أو كتاباً في تاريخ البشرية أو..
لقد استلهم محفوظ كثيراً مما جاء في قصة خلق البشرية كغيره من الكتاب ولكن في جوانب معينة مؤكداً وبشكل صريح لا يدع مجالاً للشك في جوانب أخرى على أنها مجرد رواية تحكي قصة حارة مصرية في القرن التاسع عشر، وأن أبطالها بأسمائهم التي شابهت بعضاً من رموز النصوص الدينية هم بشر عاشوا في تلك الحارة بهيئاتهم وشكل ثيابهم وسلوكياتهم، وأنهم حاولوا أن يطبقوا العدالة ويعملوا من أجل نشر القيم السامية بين الناس.
وبدل أن يكون المجتمع ممتناً لمحفوظ حرصه ومحبته له حاول متطرفوه قتله بتهمة الكفر عام 1994 كما عمل آخرون على مطاردة روايته ومنعها من النشر في مصر.