بقلم - عائشة سلطان
لا شيء يتكون في داخلنا ونستطيع الخلاص منه أو نسيانه، نحن لا ننسى لكننا ربما نتناسى، أو لا نحاول جادين استعادة تلك الذاكرة القديمة التي صنعناها من قماشة شفيفة، استلت خيوطها من أيام رائقة ممتلئة باللعب، وأزقة ضيقة، ومنازل بلا ألوان لكن بواباتها الخشبية ما زالت محفورة في أذهاننا، ولو أننا أصخنا السمع لتناهت إلينا تلك الهمهمات والحكايات الداخلة والخارجة عبر تلك البوابات، وعبر صوت أبي وجدي، وجدتي، وخالي، وجارات أمي، وجارنا صاحب سيارة (اللاندروفر) الوحيدة في الحي التي تقف أمام منزله الكبير!
لا شيء يغادرنا، وفي حين نعتقد بأننا نسينا، تتكفل صورة واحدة في فتح سجل كامل أمام أعيننا، فقد كنت نسيت ذلك الكتاب الذي قرأته في طفولتي، حتى وطأت قدمي مدينة ياشيموف التشيكية، كان وجه (ماري كوري) هو أول ما استوقفني في مدخل فندق الراديوم بالاس الشهير كمركز للاستشفاء والعلاج بالمياه المشعة.
كانت صورتها تحتل مدخل الفندق، تلك الصورة الباهتة لوجه امرأة بولندية دقيق الملامح بتسريحة شعر تقليدية جداً، وثياب شديدة الاحتشام، هذه هي نفس الصورة التي رأيتها لمدام كوري على غلاف أول كتاب اشتريته في حياتي وأنا بعد تلميذة صغيرة في الصف الخامس الابتدائي، تقودني جدتي لشرائه من مكتبة تقع في شارع مزدحم يتفرع من أحد ميادين دبي الراقية اسمه يومها (ميدان جمال عبدالناصر)!
ها أنا ذا بعد سنوات طويلة أنزل في ذات الفندق الذي سكنته «ماري كوري» عندما زارت المنطقة منذ سنوات بعيدة، لإجراء تجاربها حول النشاط الإشعاعي لبعض العناصر الطبيعية، هذه العناصر التي ستتسبب لها لاحقاً بمرض قاتل سيكون سبباً في وفاتها في باريس!.