بقلم - عائشة سلطان
في رواية «أيام زائدة» للبناني حسن داوود، نتتبع حياة أرمل عجوز في قرية لبنانية، يتهيّأ للقيام برحلته الأخيرة. الرجل الذي كبر أولاده وأهملوه، يقرر أن يكمل أيامه حتى النهاية من دون أن يهدّه التحدّي؛ تحدّي العمر، والجسد المتهاوي، وهلوسات الذاكرة، فيعاند حياة الوحدة والفراغ ويناور قسوة أولاده، وجشعهم وإهمالهم.
وبطبيعة تبدو لازمة في هذا العمر المتقدم، يصطدم العجوز بالماضي كما يتصادم هذا الماضي بالحاضر، وتختلط الأحلام بالذكريات. ويبدأ الرجل، بالتدريج، يخسر قدرته على التحمّل، لكنّه مع ذلك، يرفض أن يقبل الحقيقة الحتمية التي لا مفر منها! إنه يريد أن يعبر إلى موته قوياً كعهده بنفسه.
«أيام زائدة» هي رواية أخرى تضاف إلى إرث أدبي كبير ينبه إلى بشاعة أو فخ الوحدة، الذي ينتظر الجميع عند حافة السنوات الأخيرة الصعبة، سنوات الشيخوخة والعجز، حين يذهب الجميع كل لأسبابه ولطرقه، ويبقى الإنسان بانتظار نهاية لائقة ورحيمة، تأخذه إلى غيابه الأخير.
ومثل حسن داوود، يكتب المصري جار النبي الحلو حكايته الخاصة عبر رواية «العجوزان»، حيث يقدم لنا رواية في منتهى اللطف والوجع معاً، بعد أن نصب لنا فخاً باذخ الرقة، فأوقعنا في نوبة دموع حين التقى فايز ورفيق، الصديقان العجوزان اللذان يتقاسمان أيامهما المتبقية معاً بأدق تفاصيلها، بعدما غاب عنهما الكثير من الأحبة والأبناء، فيعيشان حالة من استدعاء الذكريات القديمة والأصدقاء القدامى، وفترة الشباب بكل حكايات حتى اليوم الذي يموت فيه أحدهما تاركاً رفيقه لوحدة لا تطاق وسط مدينة تتغير بسرعة البرق.
أما في الرواية الأرجنتينية «أخف من الهواء» فقد كانت الوحدة الشاسعة من نصيب عجوز تذهب إلى عامها الرابع والتسعين محملة كما هي طبيعة هذا العمر بخيالات الذاكرة وحمولة الماضي وأوجاعه، الأمر الذي يجعل كل شيء يلتبس ويختلط في رأسها إلى درجة «القتل»!