بقلم - عائشة سلطان
تنتابك أحياناً حالة غريبة، تشبه لوثة مفاجئة، فتجد نفسك متأرجحاً بين الرغبة في امتلاك ذاكرة زمن مضى تريد استعادته ولا تقدر، ورغبة مضادة في أن تقفز للأمام، لزمن مجهول تريد لو تعرف كيف ستكون الأيام المتوارية هناك لكثرة ما يحدثونك هذه الأيام عن الحياة وأنها لن تكون كما تعودتها طوال عمرك.
تلوح لي أيام ماضيات، كنت أعاني فيها الحمى وأتقاسم الوقت الطويل مع امرأة ناقمة على الحياة، كما يتقاسم بائسان رغيف خبز مسروقاً، كانت جارتي على السرير غارقة طوال الوقت في الثرثرة والضجيج بلا توقف!
كان ذلك في نهاية عام 2014، في الطابق العاشر بقسم الحالات الطارئة في أحد المستشفيات الحكومية، هناك قبعت كمحكوم بالسجن، لا أمل لي في الخروج بمفردي، بالكاد أستطيع أن أفتح عيني أو أجترح معجزة المشي على قدمين!
كانت سماء الغرفة كطاحونة حكايات لا تكف عن سحق الروح بالثرثرات الفارغة والمعبأة باللعنات والشتائم! سماء ترممها نسوة متكئات على حافة الزمن، مصابات بالحمى والهذيان وفقدان الذاكرة، لا تكف الواحدة منهن عن اختراع الحكايات التافهة، أما رأسي فمصاب في ضبطه الداخلي.
كنت قد أُصبت يومها بفقدان التوازن، بينما قلبي لا يكف عن التفكير في الخارج، فحين لمحت شيئاً من زرقة البحر عبر النافذة الصغيرة أقصى الغرفة، رأيتني في المنام حبلى بأصوات العصافير!
كنت أشعر بأنني لست التي أعرفها وبأنني شخص آخر، عاجزة تماماً عن الوقوف والحركة والتفكير، وخائفة بشكل لا يصدَّق مما سيحصل غداً!
يُفقدك العجز الرغبة في النوم والقدرة على النهوض من سريرك، كنت يومها لا أتوازن في المشي أبداً، بينما العالم ليس مقلوباً، أما اليوم فهناك من يحاول إقناعك بأنه لن يكون موجوداً!