بقلم - عائشة سلطان
لا أستغرب من تفشي النفاق والكذب والقسوة والادعاء، والزيف وقلة التعاطف والبخل وضيق الأفق و... في السلوك اليومي لبعض الناس في هذه الأيام، ولا أستغرب من هذه القدرة العجيبة على اعتيادهم كل ذلك، لكنني أشعر برثاء حقيقي تجاه أولئك الذين يصابون بالخيبة أو الصدمة إزاء هذه السلوكيات حين يصطدمون بها، فتجدهم يشتكون ويتعبون وأحياناً يبكون.. إننا في زمن صار كل هذا السلوك اعتيادياً، بل وعنواناً رئيساً يتعثر به الناس يومياً وهم يقطعون الطريق إلى أعمالهم!
صحيح أن الإنسان لم يكن ملاكاً في أي لحظة من تاريخ وجوده على الأرض، لكنه كان أقل قسوة بلا شك، وأكثر ميلاً للطف إنسانيته، لذلك نقول إنه كلما تزايدت ضغوط الحياة انقلب الكثير من البشر ضد إنسانيتهم، وقيمهم التي تعلي شرطهم الإنساني، صاروا يفكرون بشكل مقلوب تماماً، لا تدري متى بدؤوا يصبحون كذلك، لكنهم أصبحوا هكذا، يرون العنف قوة، والكذب دماثة، والاحتيال ذكاء، والطيِّب عبيطاً، والبسيط غبياً، والكريم لامنطقياً و...
صحيح أن منظومة القيم الكبرى لم تضمحل بالكامل أو تتلاشى تماماً، لكنها صارت من المباهج النادرة، نعم مباهج! فأنت تبتهج للقيم الأخلاقية وللجمال، لكنها للأسف صارت كقطع الآثار النادرة، صار أصحابها كشخوص خارجين من متحف أو من حكاية حصلت منذ زمن بعيد بالكاد يتذكرهم الناس!
لا يعني ذلك أننا ندفع باتجاه التسليم بهذا الواقع اللاإنساني، ولا يعني أننا نؤمن به أو نصفق له؛ ولأن الإنسان ابن زمانه وابن بيئته، فإن عليه ألا يتعامل مع زمانه وأهل زمانه ببراءة طفل بالكاد خرج للحياة! ليس مطلوباً منه أن يكون جزءاً من هذا السوء الذي حوله، لكنه إن اضطر للتعامل معه فليكن على طريقة «لكم دينكم ولي دين»، ليس لنا سوى أن نتأمل ونشكر الله في دواخلنا أننا لا نسير بالمقلوب، ولا نتحرك ضد إنسانيتنا لأجل تفاهات لا أكثر!