بقلم - عائشة سلطان
لكثرة ما قرأنا من أعمال روائية عظيمة لأدباء روس معروفين أمثال: ديستويفسكي، تولستوي، غوغول، مكسيم غوركي، تشيخوف، وغيرهم، فقد صار يخيل إلينا أننا قد زرنا تلك المدن الروسية التي تكررت في أعمالهم، وأننا نعرفها ونحمل لها شيئاً من الألفة والصداقة أو من النفور والكآبة بحسب العلاقة التي ربطت بين الروائي ومدينته، وكيف تحدث أبطال تلك الروايات عن تفاصيل تلك المدن: أزقتها، كنائسها، نسائها، فقرائها، بردها القارس كآبة ساحاتها في ليالي الشتاء..!وكما كانت القاهرة في روايات نجيب محفوظ مدينة محورية، واضحة الدلالة والمعنى والعلاقة، كذلك كانت مدينة سانت بطرسبيرج بكل هذه المكانة والأثر والعمق في الكثير من الأعمال الروائية التي كتبها فيودور ديستويفسكي، مبدع «الجريمة والعقاب» التي كتبها في أحد منازل إقامته الطويلة في هذه المدينة الروسية.
يذكر الأرشيف الوطني الروسي أن هذه البيوت لم تكن مجرد أماكن إقامة بقدر ما تعبر عن تاريخ مرتبط بتطور المدينة وتحولات حياة الكاتب والظروف المادية التي مر بها، والأهم الأعمال الشهيرة التي أنجزها فيها، ويفصل هذا الأرشيف أخباراً حول المنازل التي كانت مسرحاً حقيقياً لأحداث رواية كـ«الجريمة والعقاب»، حيث ارتكب «راسكولينكوف» جريمته وقتل العجوز المرابية.إنه على الرغم من تغير أسماء الشوارع والتبدلات التي لحقت المدينة خلال أكثر من 150 عاماً فإنك إذا بحثت وقرأت ستجد الكثير من الصور والعناوين الحقيقية لتلك المنازل، ستقرأ أين كتب ديستويفسكي رائعته «الأخوة كرامازوف»، وأين بدأ بكتابة «الليالي البيضاء» و«المقامر»، وأين أنهى روايته «الزوج الأبدي» و«الشياطين».
لقد وفد ديستويفسكي من أطراف موسكو بعد وفاة والدته ليستقر وليرتبط بشكل أبدي بسانت بطرسبيرج التي رسمها وفصل بيوتها وأسوارها وجسورها وحتى انعكاسات أضواء الشوارع الشاحبة على جدرانها فصارت تعرف بـ «بطرسبيرج ديستويفسكي».