بقلم - عائشة سلطان
في كل المجتمعات، وفي كل الأزمنة، سواء في تلك القرون البعيدة عندما كانت البشرية تتعثر في جهلها وبدائية حياتها ومعارفها، أو في هذه الأيام التي قيد الإنسان نفسه في سجلات الفضاء والتقنية المذهلة، وأنجز ما لم يخطر على بال أسلافه فيما يخص العلم وحقوق الإنسان، في كل هذه الأزمنة ظل الناس لا يرحبون بالمختلف، ولا بدعوات التغيير، فالتغيير يخلخل سكوناً لطالما وجدوا فيه راحتهم ورتبوا فيه سلم أولوياتهم ومصالحهم، وانصرفوا إلى حياتهم ويومياتهم غير عابئين أو ملتفتين للمزعجين ومثيري الشغب من دعاة التغيير.
التغيير يخيف الناس، يبعثر سلام أوقاتهم وعلاقاتهم، يشغلهم بإضافة المزيد من الحراسات على منظومات المصالح والمنجزات والموروث والمتراكم، من هنا تشهر الأصوات والأسواط، الدفاعات والهجوم والمطاردات والنبذ والإقصاء والتشهير والشتائم والسباب، لكل من ينادي أو يطالب أو يدعو لتغيير أمر أو سلوك أو قانون أو فكر اعتاده الناس طويلاً (ووجدوا آباءهم كذلك يفعلون)، ومن هنا تعتبر الدعوة للتغيير واحدة من أخطر التحولات في مسيرة البشرية.
مع ذلك، فإن المجتمعات الرافضة لا تلبث أن تراجع نفسها، وتعود لتفكر فيما طالب به دعاة التغيير، ومع مضي الوقت تتغير، لكن ذلك لا يحدث بيسر ولا بسرعة، التغيير رغم القوة التي يضمرها منطقه القوي، ومع ذلك فإنه يحدث كأبطأ ما يكون. لقد وجدنا ذلك مع الأنبياء، كما المصلحين والمفكرين والفلاسفة، وكثيرون منهم غادروا الحياة دون أن يروا ثمار دعواتهم. إلا أن التاريخ أثبت دائماً أن لتلك الدعوات العظيمة أجنحة من أفكار لا تتلاشى، لكنها تحلّق عبر الزمن لتتحقق في أزمنة قادمة.
لقد حزنت كثيراً لرحيل المفكرة والحقوقية المصرية نوال السعداوي، رحمها الله، وسواء اتفقنا معها أو اختلفنا، فقد آمنت بما طالبت به، ودافعت عنه بشجاعة نادرة تحسب لها.