بقلم - عائشة سلطان
ظل الإنسان يبحث دوماً عما يميزه عن الآخرين، وظلت الفرادة والاختلاف من المعايير والمستهدفات، التي دار حولها الكثير من الجدل والبحث، فهل مما يحمد ويعتبر منجزاً حقيقياً أن يكون الإنسان متفرداً ومختلفاً عن الآخرين؟ وفي أي اتجاه عليه أن يسعى للتفرد يا ترى؟ ألا يجعله ذلك التفرد نائياً وبعيداً ومعزولاً؟ ألا يوقعه ذلك في حالة الإنسان الأخير، الذي اقتربت نهايته، بسبب العزلة والتباعد والتصنيف والفوقية؟
ألم يتوصل الإنسان بفعل التكنولوجيا المتطورة إلى تصغير كل شيء حتى بات وكأن هذه المليارات من البشر تعيش معاً في بيت واحد أو قرية بيوتها مفتوحة على بعضها بعضاً؟ ومع ذلك، ألا يحمل كل واحد من هذه المليارات البشرية تصوراً انعزالياً للعالم في دماغه؟ إذاً، فأين هي القرية المتلاصقة، وأين هو التواصل والتقارب؟
وكما لا يمكن للإنسان أن يعيش بلا هواء أو ماء، فإنه أيضاً لا يريد أن يستمر في القرية الكونية من دون أن يحمل تصنيفه الخاص، فهل تسهّل عليه هذه التصنيفات، التي ابتدعها (الدينية أو القبلية أو السياسية أو الاقتصادية) طريقة الحياة وسط الملايين، أم أنها تقوده لنهايته من دون أن يدري؟
إن صفة التفرد لا تتحقق دوماً بطريقة إيجابية، بل قد تكون منبوذة ومرفوضة من قبل الآخرين، وقد تقود لكوارث على نطاق البشرية، كما حدث في الحرب العالمية الثانية حين اعتقد هتلر أن العرق الجرماني متفرد بذاته وفوق البشر، وقد قاده عقله العنصري إلى ارتكاب جريمة تصنيف مقيتة، أنتجت مهالك وحروباً، ولا شيء سوى الكارثة والخسارة!
إن حالة التفرّد الوحيدة، التي يمكن تمجيدها هي تلك التي تقود الإنسان من رحم الولادة إلى أرض الإنسانية، حيث يمد جذور فكره وعطائه ومبادئه، ليلتقي بالجميع تحت شمس مشتركة، تفيض خصباً على الجميع، بعيداً عن تفرد الكراهية وانفجار العداوات، التي لم ولن تؤسس إلا لنهاية الجنس البشري!