بقلم - عائشة سلطان
في كتاب له بعنوان «كيف تُكتب الرواية؟» كتب الروائي العظيم جارسيا ماركيز: إن أكثر سؤال يوجه للروائيين هو كيف تكتب رواية؟وفي الحقيقة فإنه إذا سألني أحدهم كيف تكتب؟ أجدني عاجزاً عن تقديم الإجابة التي يتوقعها السائل، فلا يملك أي روائي الإجابة المرضية التي قد تقنع أصحاب هذا السؤال، ذلك أن المشكلة ليست في إفشاء سر الكتابة وشرح طريقة صنع كعكة الرواية، الأمر المحير بالنسبة لماركيز هو عدم وجود خطوات أو وصفة جاهزة للرواية أبداً!
ماركيز هنا، وأي روائي في حجمه وخبرته، كان يبحث عن الحقيقة وهو يتحدث وليس عن الطريقة، بينما الصحفيون أو الكتاب المبتدئون فإنهم يبحثون دائماً عن الوصفة أو الطريقة، إما ليقلدوها أو ليتباهوا بمعرفة أسرار الروائيين الكبار!باراغاس يوسا، وماركيز ومحفوظ وميلان كونديرا حين يتحدثون عن نصائح يسدونها للروائي المبتدئ أو الشاب وليس عن خلطة رواية أو معادلة قصة فإنهم يؤكدون للجميع أن الرواية تعاش ولا تكتب، بمعنى أنك يجب أن تعيش الحياة بكل تفاصيلها ودقائقها، بكل مسراتها وأوجاعها، تتغلغل في نفوس الناس وذاكرتهم وأوجاعهم، كل الناس ما استطعت إليهم سبيلاً، تتغلغل في تاريخهم من دون اختيار أو انتقاء أو تعالٍ.
لتكتب في النهاية رواية الناس ورواية لكل الناس، الرواية الواقعية الساحرة والملهمة والتي تكتب لتبقى وتهيمن على الوجدان، فالصدق صفة إنسانية متبادلة، يجب أن تكون حقيقياً وأنت تكتب لأصدقك، ليس هنالك من ألغاز أبداً، سوى ألغاز الموهبة والعبقرية وامتلاك ناصية الفكرة واللغة، بعدها ستكون الحياة أمامك في موازاة القص والحكي.
لم يكتب هؤلاء ولم يصبحوا خالدين لأنهم قلدوا أحداً، أو نفذوا خلطة جاهزة، لقد قتل كتاب بسبب كتاباتهم، قتلتهم الأنظمة، والفكرة، والعوز والمعاناة والإيمان، ولكن أفكارهم طارت لتملأ نفوس كتاب آخرين كل الناس وبهذا عادت لهم الحياة مجدداً، علينا أن نكتب وليس علينا انتظار النهايات الجاهزة.