بقلم - عائشة سلطان
يبدو الفقد، أو الذهاب الأخير الذي لا عودة منه، الذهاب الكبير المؤلم، هو أكثر ما يحضر في هذه الأيام، فلا يكاد يمر يوم دون أن نتعثر بشهقة صديق أو غصة ابن أو أخ فقد أباً أو أماً أو صديقاً.. وفي حضرة الغياب هذا، كما يقول درويش فإن «الموت لا يوجع الموتى، الموت يوجع الأحياء»، ولذلك فإن عبورهم أيام الفقد الأولى يبدو أصعب من رتق لحم حيّ، وأكثر حرقة من وضع الملح في قعر جرح نازف!
وكلما قرأت على صفحة صديقة أو صديق «مات أبي، أو ماتت أمي» ينهمر دمع في جوفي، ويتراءى لي أنين ذلك الرجل الذي يعضّ على ألمه وهو يلج البيت الفارغ من صوت أمه، أو رائحة والده، وأفكر كم احتجنا من الدمع، والنشيج، ومضغ الوجع أياماً ونحن نسترجع الوجوه والذكريات كي نخفف عن أنفسنا، أو نطفئ النار المستعرة، لكن الرياح تأبى إلا أن تنقلنا من لهيب لآخر.
لأجل أصدقائي الذين سلب منهم كورونا أعزاء أعزاء، أكثر مما توازيه كلمات أو جمل أو زيارات مواساة، أعزاء منذ مبتدأ الحياة وحتى خبر الفاجعة، أعزاء لا نقطة تنهي جملة محبتهم، ولا نهاية لحكاياتهم في حياتهم.
لأجل هؤلاء أكتب وأريد أن أقدم بعض الكلمات باقة تعزية بيضاء، لشدة ما أستحي من دمعهم، وأخجل من وجعهم حين أقول «البقية في حياتكم»، فأنا أعلم يقيناً «أن الموت لا يُبقي ولا يذر»، وأن الحزن خفاق بلا وجه، وتلّاف أفئدة بلا رحمة.. فقط رحمة الله التي «وسعت كل شيء».
لذلك فمن ذاق ألم الفقد يظل مسكوناً بالخوف دوماً، ويصير كل شيء متوقعاً وهيّناً، ومقدوراً عليه، إلا الفقد لا يمكن للإنسان أن يتعداه أو يقدر عليه مهما عايشه وعانى منه.