بقلم - عائشة سلطان
في مدى عمر من القراءة وصحبة الكتب، أستطيع اليوم القول إنني ندمتُ بالفعل على كل وقت مضى كان يمكن أن أقرأ فيه كتاباً، لكنني بدلاً من ذلك أمضيته في الثرثرة على الهاتف أو الجلوس ببلاهة أمام التلفزيون لمتابعة مسلسلات فارغة، لا تزال تجترُّ نفسها وموضوعاتها منذ عشرات السنين، دون أن يتغير فيها شيء.
اليوم، وأنا أنظر إلى عشرات الكتب في كل ركن من بيتي، أتمنى لو يُتاح لي أن أتمنى أمراً واحداً وإن كان مستحيلاً، لكنت تمنيت أن يطول عمري لأتمكن من قراءة كل ما تضمّه مكتبتي من كتب، وبما أنني لا أميل كثيراً للأحلام، فإنني ألزمت نفسي ببرامج قراءة صارمة لأتمكن من قراءة أكبر عدد من الكتب التي اقتنيتها من معارض ومكتبات كثيرة.
ومنذ كنت طالبة عندي الكثير من الصديقات اللواتي لم تكن القراءة يوماً تفضيلاً أول يلجأن إليه لتمضية أوقاتهن، وحتى اليوم، والأسئلة ذاتها توجه إليَّ: كيف تستطيعين القراءة بهذا النهم؟ كيف نقرأ بهذا الإصرار؟ كيف نصبح قرّاءً محترفين؟ وغيرها من الأسئلة التي تصب في نهر القراءة الهادر في قلب كل قارئ يرى في القراءة متعته، وفي الكتب والمكتبة جنَّته الحقيقية، كما تخيلها القارئ العظيم بورخيس.
لنبدأ من السؤال الأخير، فأن تصبح قارئاً لا يتأتى بسؤال وجواب ولا بوصفة سحرية، إنه عمل دؤوب أساسه الحب والشغف والاستمرارية، وهو أمر يقوم على إيمانك بالقراءة وبأنها جزء من تكوينك لا تستطيع أن تتخيل نفسك من دونها، فتطور موهبتك وتصقلها كما يفعل الرسام والنحّات والطبيب والخطاط و... غيرهم، فتظل تبحث وتسأل وتقرأ وتشتري الكتب، وتتحدث عما قرأت ثم تعود لتقرأ وتقرأ وتقرأ، كأن لا شيء يعنيك أكثر من القراءة، ودون أن تنسى نصيبك من كل شيء في الحياة، ونصيب الحياة منك..
غداً ونزولاً عند رغبة العديد من القراء سأتناول بعض الاستراتيجيات التي تساعدنا على أن نقرأ بشكل أفضل، ولنقترب قليلاً من عالم القراء المحترفين.