بقلم - عائشة سلطان
هناك فرق بين ما نعتقد أنه حقيقة وبين الحقيقة فعلاً، هناك من يعيش حياة كاملة متوهماً أشياء ومتبنياً أفكاراً وتصورات حول أمور كثيرة في الحياة، فيظنها حقائق مطلقة غير قابلة للنقاش، ومن غير المسموح طرح أي سؤال بشأنها (لن أذكر شيئاً محدداً ولكن فكروا الآن ما هي الأمور التي لطالما آمنتم بها ومنعتم أنفسكم أن تطرحوا أي سؤال بشأنها خوفاً من كسر قداستها..)؟
هذا الاعتقاد الذي يمنع صاحبه من طرح الأسئلة، يدفعه بطبيعة الحال للدفاع عن تلك الحقائق والنظر إليها بكثير من التبجيل والاحترام والتقدير دون أدنى رغبة في مراجعتها أو إخضاعها للتمحيص والمساءلة، بينما هناك مسافة كبيرة بين الحقيقة والاختلاق وبين المنطق والأوهام، الخوف لا يدفع للسؤال أبداً، الخوف يحرفنا عن الحق ويضللنا أكثر.
سنجد ذلك جلياً حين نتحدث عن الأيديولوجيات والقناعات الغيبية وعن حقائق التاريخ وخفايا طفولتنا وعن معنى القناعة والسعادة مثلاً، وعن البيوت الأولى التي سكناها وانطوت في تلافيف خيالاتنا، وعن المدرسة والحي وساحة اللعب الأولى، وعن أقاربنا وأصدقائنا وحتى عن أبنائنا! في علاقتنا ونظرتنا لكل هذا وهؤلاء هناك الكثير من الحقائق والأكثر من الأوهام، لكننا عادة ما لانكشف طرف السجادة كي لا نتفاجأ بما هو موجود تحتها!
في طفولتنا نرى مدرستنا كبيرة جداً ذات طوابق عالية وسور بلا نهاية وبوابة ضخمة تتسع لدخول كل الطلاب الصغار دفعة واحدة، بيتنا أيضاً نتحدث عنه على أنه كان كبيراً وجميلاً ومختلفاً، لكن الحقيقة هي أن المدرسة صغيرة وعادية والبيت في منتهى التواضع، نحن نؤمن بأفكار ونحتفظ بتصورات ذهنية نصدقها ونحملها في داخلنا زمناً طويلاً وندافع عنها باستماتة، نحن ندافع في معظم الأحيان عن الوهم أكثر مما ندافع عن الحقيقة!