بقلم - عائشة سلطان
للواقع إكراهاته الصعبة، وللعمر ألعابه، وتحديداً حين يتقدم هذا العمر بالإنسان، ما يجعل البعض يمرره باختراع قيمة حقيقية له، خاصة إذا لم يكن ذا قيمة تذكر، من هنا يضطر البعض إلى أن يكذب مدعياً أنه يجمّل واقعه أو يمنح نفسه شيئاً من القيمة المفتقدة!
«ألعاب العمر المتقدم».. رواية تحكي لنا قصة الموظف البسيط والأكثر من عادي غريغوريو، الذي يكلفه العمل بالتحدث مع المندوب الجوال الذي يتجول هناك في الأرياف، والذي يعد هو الآخر عادياً وأكثر من عادي كذلك.
تبدأ الحكاية حين يتصل غريغوريو بالبائع، وحين تتوالى الاتصالات يكون الموظف الأكثر من عادي غريغوريو قد نسج ألف كذبة وكذبة على البائع المتجول، تحول عبرها إلى شخص آخر باسم وتاريخ وشخصية أخرى، فأصبح اسمه أوغسطو فاروني المهندس الجذاب والشاعر متعدد اللغات والرحالة أيضاً، وبذلك انغمس في كذب لا سبيل للتراجع عنه، وقد كانت الصدمة حين فاجأه البائع برغبته في لقائه!
لماذا كذب الموظف الأكثر من عادي، وادعى شخصية وتاريخاً لا يمتان له بصلة؟ ولماذا استمر في لعبته؟ لأنه في لحظة الانتباه إلى حياته شعر بأنها حياة تافهة، لذلك لجأ إلى اختراع قصص تمنحه قدراً من القيمة، وقد صدق كذبته تماماً ليتمكن من إقناع الآخر بها، خاصة حين بدا له أن البائع البسيط قد بدأ بالإعجاب به وتمجيده!
هذه الرواية جعلتني أتذكر شخصية أحمد زكي في فيلم «أنا لا أكذب ولكني أتجمل» عن قصة للكاتب إحسان عبدالقدوس، والتي تحكي عن الطالب الفقير ابن حفار القبور الذي يعيش في المقابر مع والده ووالدته التي تشتغل في البيوت؛ ولأنه كان متفوقاً، كان يكذب على زملائه مدعياً واقعاً مغايراً تماماً، لأنه كان ينظر بتفاهة واحتقار لواقعه، وحين سألته حبيبته لماذا يكذب؟ قال: (كل الناس يفعلون ذلك).. ولقد جازف ألبرتو مانغويل ووضع هذا المعنى عنواناً لأحد كتبه «كل الناس كاذبون»!