بقلم - عائشة سلطان
أنظر إلى وجهي في الصور، صور التقطت منذ عشرين أو عشر سنوات أو أكثر ربما، وحتى حين أنظر لصورة التقطت منذ أيام.. فإنني أتمنى لو أستطيع استعادة خيط الزمن ذاك الذي أفلتته الأيام من بين أصابعي وذهب إلى غير رجعة، أشتاق إلى تلك التي كنتها في تلك الأزمنة والأيام وينتابني رعب الخديعة الكبرى، الخوف من حقيقة مرور الزمن في اتجاه الأمام بشكل أعمى!
أفتقد تلك الأشياء التي فارقتني، تلك التي كانت مضمرة في داخلي فأعلنتها، أو مختبئة في قلبي فأبحتها، أو تلك التي كانت غائبة في تلافيف دماغي ونسيتها، وكنت شديدة الانتباه لها في تلك الأوقات، تلك الأسرار الصغيرة التي تمنحني قوة معرفة نفسي أكثر من أي أحد آخر، وحين سمحت بخروجها من حيز المكنونات اعتقد الآخرون أنهم أصبحوا أحق بي من نفسي، تذكرت تلك الكلمات القاسية التي لم أنتبه لها «المعرفة قوة»، فكيف سمحت لتلك القوة أن تتناقص؟
أشياء كثيرة، أسئلة مختلطة تدفعها العزلة إلى مدارات قريبة منك كانت لسنوات طويلة تتباعد عنك تحت أغلفة الضجيج وغبار البشر! مزيج من المشاعر، الأسرار، المخاوف، والهواجس، الأحلام، الشغف، والحب، وحتى الغضب والحزن والاستياء والغيرة.. كل هذا الخزين الذي كان يكونني، وخرج، أعلنني وغادر، صار كهشيم تذروه الريح، كثرثرة حملها الهواء إلى أبعد مما يمكنني استعادته.
عندما أنظر للصور أتيقن بأن شيئاً مني لم يعد موجوداً الآن، إنني بالعودة للصور أبدو كأنني ناقصة عما كنت، وبعيدة عما أصبحت.
هناك ثمة شيء ناقص، ذاك الذي نقص مني هو ما أحن إليه.. لذلك فنحن لا نكبر لأن الزمن يرمي فوقنا أغطية ثقيلة من السنوات، في الحقيقة نحن نكبر لأننا نفقد أجزاء منا، كمن يفقد أعضاءه فيصير عاجزاً، أو يخلع ثيابه بالتدريج ويصبح عارياً!