بقلم - عائشة سلطان
عندما بنى القيصر نيقولا الأول «قصر الأرميتاج» ليكون مقراً شتوياً له وللعائلة في مدينة سانت بطرسبيرغ، فإنه لم يدر بخلده ولو من قبيل الكوابيس المستحيلة أن سميّه لاحقاً نيقولا الثاني سيكون آخر قيصر من سلالة آل رومانوف سيتاح له أن يعتلي حكم روسيا، فقد قبض عليه الشيوعيون واقتادوه إلى منزل ناءٍ هو وأسرته، وفي قبو محكم الإغلاق أسفل ذاك المنزل تم تنفيذ حكم الإعدام فيه رمياً بالرصاص هو وزوجته وجميع أبنائه بأمر من فلاديمير لينين!
تحول «قصر الأرميتاج» الشتوي الضخم الذي اتخذته الإمبراطورة كاترين الثانية كمكان خلوة تهرب إليه من قيود البروتوكول إلى متحف من أكبر وأغنى متاحف العالم، بمساحة تبلغ 233 ألف متر مربع وبزوار يتجاوز عددهم 4 ملايين سنوياً، ودخل موسوعة «غينيس» لاحتوائه على أضخم عدد من اللوحات تعود لكبار فناني أوروبا: دافنشي، ومايكل آنجلو، ورينوار، وبيكاسو، ورامبرانت، وفان جوخ، وغوغان، وماتيس، وغيرهم.
عندما تتجول في أنحاء القصر عليك أن تعلم أمرين: أنه من غير الممكن أن تزور كل غرفه وأجنحته وممراته، كما يكاد يكون من رابع المستحيلات أن ترى كل قطعة فنية من موجوداته التي تبلغ 3 ملايين قطعة من المقتنيات الشخصية للعائلة الروسية المالكة ومن اللوحات والمجوهرات وقطع الأثاث النادرة، إضافةً لتلك التماثيل والنقوش والستائر الفاخرة التي تعود لنمط النصف الثاني من القرن الـ19 !
إن نظرة متأملة في زوايا القصر، من النوافذ الضخمة المطلة على نهر نيفا، وشوارع المدينة الراقية، على التاريخ وأحوال الناس وتقلبات الزمن، تجعلك تنظر إلى أصغر القطع التي لا تتجاوز عقلة الإصبع وتلك التي تثير دهشتك وانبهارك لضخامتها ودقتها، تنظر إلى ذلك كله بشكل حالم ربما وتتساءل: ماذا لو قايض الثوّار القيصر الأخير قبيل إعدامه حياته وحياة أسرته مقابل كل تلك العظمة التي كان يرفل فيها؟ أكان اختار العظمة أو اختار حياة أفقر فقير في سانت بطرسبيرغ؟ لم يقايضوه لكنهم أعدموه بشكل بشع حتى لم يحظَ بعد كل تلك الأبهة بقبر يليق بفقير!