حين تصير بلا مكان

حين تصير بلا مكان!

حين تصير بلا مكان!

 صوت الإمارات -

حين تصير بلا مكان

عائشة سلطان
بقلم - عائشة سلطان

الذين قرأوا رواية «الجريمة والعقاب» للروائي الروسي الكبير دوستويفسكي أو رواياته الأخرى مثل: «الأخوة كرامازوف، الشياطين، الفقراء، في قبوي»... يعلمون على وجه الدقة أن أول ما يتصف به أدب هذا الروائي الأستاذ هو اشتغاله على البعد النفسي لجميع أبطال رواياته، فكل أعماله تشريح دقيق وسبر علمي مفصّل لدقائق ودخائل النفس الإنسانية بكل تناقضاتها وفي كل أحوالها: الخير والشر، الفضيلة والرذيلة، الحب والخيانة، الشرف والذل و... إلخ، حتى أنه يصعب وجود شخصية في أعمال دوستويفسكي ليس لها بصمة محددة صنعت خلودها كل هذه العقود الطويلة من الزمن!

إن مارميلادوف السكّير لا يمت بصلة للشاب راسكولينكوف قاتل العجوز المرابية وأختها في «الجريمة والعقاب»، ولكن الشر الظاهر عند القاتل والسكير وفتاة الليل... إلخ لا يعني خلو هذه النماذج البشرية من الخير، ففي داخل كل إنسان بذرة خير قد تسقى بماء جيد فتصير شجرة، وقد تهمل فتذبل البذرة وقد تموت تماماً.

في رواية «الجريمة والعقاب» وفي أحد المقاطع يدخل مارميلادوف الشقي ذات ليلة إلى إحدى الحانات وهناك يلتقي بالشاب راسكولينكوف، ويسأله: هل تعلم يا سيدي ماذا يعني ألا يكون لديك مكان تذهب إليه في هذه الحياة؟ إن هذا السؤال الذي يصدر عن سكّير يعتبر أحد أصعب الأسئلة الوجودية التي طرحها الأديب الروسي ضمن أسئلة وجودية كثيرة تضعها أمامنا رواياته العظيمة، وتمنحنا كل الوقت لنجيب عنها شريطة أن نمتلك القدرة على سبر أغوار النفس وقراءة ما وراء الوجوه.

ماذا يعني ألا يكون لك مكان ترتاح فيه وسط عشرات الأماكن؟ ماذا يعني ألا يكون لك صديق حقيقي من بين عشرات الأشخاص الذين يظهرون كل يوم في حياتك؟ ماذا يعني أن تكون غريباً وسط أهلك فتكتم ألمك دون أن يشعر بك أحد حتى تتلاشى وربما تموت؟ أسئلة بحجم معاناة إنسان اليوم وربما إنسان كل الأزمنة، الإنسان الذي يكتب عنه وله دوستويفسكي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حين تصير بلا مكان حين تصير بلا مكان



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates