بقلم - عائشة سلطان
حينما يتعلق الأمر بتوجيه نقد ما لكاتب أو كتاب في أي فرع من فروع المعرفة الإنسانية وتحديداً في مجال الأدب والشعر والرواية، نجد أنه من الضروري التمييز أو التفريق بين النقد، وهو علم له أدواته ومقاييسه ومدارسه ومنظّروه والمختصون فيه، وبين الانتقاد أو التقييم المبني على رأي شخصي ناتج عن انطباعات تكونت من خبرة قراءة شخصية.
لذلك فالنقد محدد والانتقاد نسبي، فالرواية التي تعتبرها أنت لا مثيل لها يمكن لقارئ آخر أن يراها تافهة ولا تستحق الحبر الذي كتبت به، هذا انتقاد لاذع وقاسٍ نعم، لكنه رأي شخصي يفنده النقد العلمي أو يحكم عليه، ومن هنا وجب اللطف واللباقة والرفق في الانتقاد، لكن النقاد لا يحتكمون للطف بقدر احتكامهم للمعايير والمحددات القياسية المتفق عليها.
وفي ظني الخاص أن شيوع الأمرين كليهما: النقد والانتقاد، في غاية الأهمية إذا أردنا أن نسعى لمحتوى أدبي وثقافي جيد يحقق الغاية من القراءة في حديها: المتعة والفائدة، فحتى الكتاب الممتع الذي أمنحه لطفل صغير أو مراهق يبدأ خطواته الأولى في طريق القراءة والمعرفة يفترض به أن يمتلك شروطاً للجودة بدءاً بغلافه وورقه ولغته وفحواه، وللأسف فإن المنتج التافه الذي يغزو أسواق الكتب العربية لا يحقق هذا أبداً، بل ويضرب معيار الجودة كما يضرب الذائقة والثقافة معاً.
إن الذين ينادون بشعار «دعه يكتب دعه يعبر»، أو دع الجميع يكتبون مهما كان ما يكتبونه، فحتى التفاهة والرداءة لها جمهورها وعلينا ألا نمارس أي وصاية على أحد، هذا الشعار كارثي بمعنى الكلمة، وسيؤثر على المنتج الثقافي على المدى المنظور، ولن يمنحنا الأخذ به أي فرصة لتأسيس صناعة حقيقية ومتطورة للكتاب العربي. إن الرداءة لا تؤسس لمعرفة ولا لعلم ولا لصناعة متطورة، كما أنها لا تراكم في الاتجاه الصحيح ولا تنافس للأفضل.