بقلم - عائشة سلطان
يحلو للبعض أن يطلق على منصات التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر..) مصطلح «الفضاء العام»، ذلك المصطلح الذي اشتهر به الفيلسوف الألماني هابرماس، واصفين هذه المعارك الكلامية اليومية التي لا تقود لأي نتيجة لا على مستوى تحرير العقل من الأوهام، ولا على مستوى إنتاج محتوى علمي يمكن الرجوع إليه والإفادة منه بأنها عملية تبادل للآراء والأفكار، مع أنها بعيدة تماماً عن هذا الإطار، إن هذه المعارك تعمّق التباعد وتكرّس الإرهاب الفكري بشكل حقيقي!
والحقيقة أن الفضاء العام هو فضاء يتجمع فيه الأفراد المشاركون للنقاش والتحاور العقلاني والمثمر، حول المسائل والقضايا التي تهمهم وتتناول احتياجاتهم من الدولة، ما يؤدي بالتالي إلى ما يُعرف بتشكيل الرأي العام.
فهل ظاهرة الخلافات والحروب الكلامية التي نتابعها في مواقع التواصل باستخدام آليات الهجوم والتنمر وتسفيه آراء الآخرين، والحط من أفكارهم والسخرية منهم ومنها، هل هذه الطريقة تتناسب مع ما يسمى بالحوارات والنقاشات العقلانية؟ وهل يقود التنمر والإرهاب الفكري إلى الارتقاء بشروط الحياة وتشكيل رأي عام؟ إن ما يحدث في هذا الاتجاه بعيد جداً عن أن يحول مواقع التواصل لفضاء عام.
ما يحدث في معظمه خلاف بلا قيمة (وليس اختلافاً) حول أمور، الجهل بها لا يضر والعلم بها لا ينفع، فتظل مجموعة من الأفراد طوال اليوم تعيد إنتاج العبارات والإجابات نفسها حول توجه أو شخصية تاريخية، أو ربما رأي أو فلسفة يحق لأي إنسان أن يؤمن بها أو يرفضها، وقد يكون موضوع الخلاف كاتباً أو مفكراً أو مرضاً أو وباء (كورونا مثلاً) فتجد مجاميع لا علاقة لها بكل هذه الأمور تخرج لتشن هجوماً على شخص أو على عدد معين يؤمنون بفكرة أو رأي لا يعلمون عنه شيئاً.