بقلم : عائشة سلطان
يبدو أن إيطاليا تعاني هي الأخرى كدول العالم العربي من أزمة القراءة بين جيل الطلاب الشباب، وتحاول أن تفعل ما باستطاعة سياسييها واقتصادها لكي تتجاوز هذه المسألة، لذلك خصصت الحكومة ميزانية دعم تقدم للمدارس للتغلب على ظاهرة أمية القراءة بين الطلاب، لكن إيطاليا التي تحاول أن تتجاوز إشكالية ثقافية وجدت نفسها في مواجهة إشكالية فكرية أكبر!
لقد اكتشف المسؤولون في وزارة التعليم الإيطالية أن طلاب مدارس عليا هناك قد أدرجوا كتاب الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر «كفاحي» ضمن الكتب الـ10 المفضلة لديهم، والمسألة ذات حساسية عالية للأوروبيين وللإيطاليين على وجه الخصوص لأنها تستدعي إلى ذاكرتهم تلك الأيام التي سادت عندهم أنظمة فاشية دموية شكلت توجهات جارفة وقادت إلى حرب عالمية ودمار كوني غير مسبوق، يومها كانت ألمانيا هتلر قطب النازية المريع وإيطاليا موسوليني زعيمة الفاشية التي انتهت نهاية مأساوية!
كان من المفترض أن يختار الطلاب قائمة الكتب التي كتبها مؤلفون إيطاليون، وتم نشرها منذ عام 2000 فصاعداً. لكن الطلاب اختاروا كتاب كفاحي (المنشور عام 1925) ليكون كتابهم المفضل، هذا في الوقت الذي تعتقد فيه إيطاليا ودول أوروبا بأنها طمرت كوارث تلك الفترة إلى غير رجعة.
لكن وكما في الأمثال العربية فإن (الماضي لا يموت ولا يمكن دفن جثته)، وهذا يعني أن التوجه الأصولي المتطرف ليس خاصية شرق أوسطية أو إسلامية، وأن معظم شباب العالم يرون في ماضيهم أو في تلك الحقب الزمنية التي كانوا فيها مسيطرين أو أقوياء فعلاً، يرون فيها زوايا لافتة تستحق الإعجاب والنبش والقراءة!
وهنا فنحن نتحدث عن شباب نتاج ثقافة ليبرالية متحررة وتجربة ديمقراطية أصيلة وغائرة في الزمن، مع ذلك فلديهم تلهف وإعجاب بشخص دموي كهتلر وبكتاب لم ينشر منذ عشرة أو عشرين عاماً ولكن من أكثر من 80 عاماً، هل لنا أن نطرح على مسؤولي التربية والتعليم عندنا وفي أعوام القراءة الممتدة عما إذا كانوا يعرفون على وجه الدقة نوعية الكتب التي يفضلها شبابنا في المدارس (على افتراض أنهم يقرأون)؟
إن تفضيل شباب مراهقين لكتاب يحكي سيرة ونشأة وأفكار هتلر أمر مثير يستحق الدراسة والمقارنة، ويفسر عندنا هذا الحنين الواضح لدى شعوب عربية كثيرة لأزمنة الديكتاتوريات السابقة، ما يجعل السؤال الطبيعي هنا: ما هي أولويات الناس في المجتمعات الإنسانية: الأمن أم الديمقراطية؟
بالمناسبة فإن كتاب كفاحي نشر على جزأين عامي 1925 و1926، يتحدث فيه هتلر عن نشأته وحياته والأفكار الكبرى التي آمن بها، وقد بيع من الكتاب بنهاية الحرب العالمية الثانية أكثر من 3 ملايين نسخة واعتبر واحداً من كلاسيكيات كتب السيرة والسياسة!