بقلم - عائشة سلطان
أمام الموت نقف عاجزين تماماً، إلا من حكمة الصبر التي يضمد الله بها جراحاتنا، ومن نعمة التأسي التي يلهمنا الله إياها لنقف ونتأمل في أحوال من كانوا ومن رحلوا، ومن رغم الغياب باقون بيننا، نذكرهم كأنهم يتحركون في فضاءات قريبة منا أو كأن أصواتهم لا تزال تتردد في الأمكنة نفسها! ولكن كيف؟
كيف رغم جبروت الموت؟ وكيف رغم حقيقة الغياب؟ لأن الإنسان ليس مجرد جسد أو اسم، إنه سيرة حياة ممتدة في الزمان ومتجذرة في طبقات المكان، وفي تاريخ المدينة وتقلباتها وأحوالها وعلاقات أهلها، ولأن الإنسان كل ذلك مجتمعاً، فإنه لا يتلاشى بمجرد غيابه، بل إن غيابه يكرس حضوره أكثر، ويستدعيه بمحبة شاسعة يمنحها الموت بعضاً من هيبة وجلال وشجن!
البارحة صحت الإمارات على خبر فاجع، تمثل في وفاة رجل من أعمدة هذا الوطن، بذل منذ فجر البدايات الكثير، جنباً إلى جنب مع الآباء المؤسسين، ووقف مع بناة دبي سنداً ومظلة وطوداً شامخاً، عرفناه في طفولتنا من اسمه المطبوع على أوراق النقد (حمدان بن راشد آل مكتوم) ومنذ ذلك الوقت ارتبط الشيخ حمدان، رحمة الله عليه، في أذهاننا بالاقتصاد، وبالقوة والثبات والاستقرار، وحين كبرنا سمعنا عن السباقات البحرية التراثية التي كان يحضرها ويتابعها شخصياً، وعن نادي النصر وانتمائه إليه وحرصه عليه، وعن جائزة «حمدان بن راشد» للأداء التعليمي المتميز، وصولاً إلى أقصى اسكتلندا، حيث تأسست في عام 2001 واحدة من أرقى كليات التعليم هي كلية آل مكتوم للتعليم العالي.
إن المخلصين لا يرحلون، ولا يغادرنا من بذر وأسس للخير والعلم والثقافة صروحاً ومنارات، ستظل هذه الأعمال تشير صوبهم كما يشير نجم صوب مداره، تدل عليهم وتذكر بهم أبداً.رحمك الله يا أبا راشد، وتغمدك بواسع مغفرته، وألهم أهلك وشعبك الصبر على هذا الفقد المؤلم.