بقلم - عائشة سلطان
لا أحد يريد أن يقول الحقيقة كاملة في مجتمعات تخاف من ما تتضمنه الحقيقة من تفاصيل قد تضعنا أمام أنفسنا أو أمام الآخرين بشكل لا نريده، أو قد تجعلنا نبدو ضعفاء أو بلا حيلة أمام طغيان سلطة المجتمع الذي يفرض علينا تصرفات لا نريدها لكننا مجبرون عليها.
لذلك لا أحد يريد أن يتصدّى لقول الحقيقة، ولهذا السبب نفسه اعتبرت الحقيقة أمراً صعب المنال، أو أمراً خاضعاً للاستغلال، فكثيرون يدّعونها لكنهم يفعلون عكسها تماماً. ومثلما لا أحد يريد أن يقول الحقيقة فإن أولئك الذين لديهم الاستعداد للانصات لشخص يقول الحقيقة نادرون جداً، ذلك أن الحقيقة صعبة الاحتمال، بل وقاسية وغير مطلوبة في معظم الأحوال.
المجتمعات التي أرادت أن تتحرر من قيود التخلف والفقر والحرمان والظلم واضطهاد الإنسان، لم يكن أمامها سوى تحرير قدراتها، تحرير عقلها، وأن تقوم بمصالحة جوهرية بين ذهنية المجتمع وبين الحقيقة، والمنطق، والمنهج العقلاني في التفكير، أي أن تحرر الكلمة من عقالها، فتجعل من حرية الكلام وحرية التفكير وحرية الرأي أصول حياة، وليس حلماً بعيد المنال تمارسه أثناء غيبوبتها أو في مناماتها، أو صوتاً مخنوقاً أو لا يكاد يسمع في خلفية الصورة أو المشهد الاجتماعي العام.
وسواء كان رجلاً أو امرأة، فالجميع بحاجة لهذه الكلمة المتحررة، التي يستطيع أن يقولها بلا خوف من أن ينفجر لغم تحت أقدامه، أو مسدس خلف عنقه، أو حجر في وجهه، لقد انطلقت سكين لتطعن نجيب محفوظ حين حرر كلمته وأطلقها عبر رواياته، كما انطلقت كلمات وأحكام وإعدامات في بلدان مختلفة ضد الحريات، فتخلفت هذه البلدان أكثر وأكثر، ما يعني أن الحياة لن تذهب للأمام إلا في ظل الضوء والنور والكلمة المتحررة من الخوف.