بقلم - عائشة سلطان
مثّل التطور في ظهور وسائل الإعلام عبر التاريخ محطات فاصلة في تاريخ البشرية، إلى الدرجة التي اعتبر فيها ظهور الصحف ومن ثم الإذاعة والتلفزيون، ثورات حقيقية في التاريخ الحضاري للإنسان، هذا التاريخ الذي لم يتوقف عن إنتاج وسائله المتطورة، إلى اللحظة الراهنة التي نعيش تجلياتها عبر ثورة التقنية والإنترنت ووسائل التواصل الخارقة.
مع ذلك لم يتوقف المطورون والمخترعون، الذين دفعوا بالعالم دائماً ليصبح قرية صغيرة، فالمهندس «لو أوتينز» الذي عكف على العمل والتطوير في الشركة التي يعمل فيها، تمكن في عام 1963 من اختراع شريط الكاسيت، ذلك الاختراع الذي لا يمكن نسيانه، لما أحدثه من نقلة هائلة في طريقة استماع الناس إلى الموسيقى والمواد الصوتية، لقد تمكن الناس لأول مرة من أن يستمعوا إلى الأغاني والموسيقى وهم يتحركون وغير مضطرين للجلوس في أماكنهم!
توفي هذا المهندس منذ يومين، ولم يعد أحد يستخدم شريطه، بعد أن بيع منه 100 مليار شريط، سجل عليها ملايين المواد السمعية كالموسيقى والأغاني والخطب والرسائل والبرامج والكتب المسجلة، لكن وفاته واختراعه يفتحان نافذة في الذاكرة تطل على عالم لم يعد موجوداً، ويحيلاننا إلى زمن وتاريخ وذكريات وأكوام من الأغاني والتسجيلات والخطب والأشعار التي ملأت أدراج مكاتبنا في ثمانينيات القرن الماضي، والتي حين لم يعد هناك من يستخدمها، احتفظ بها البعض للذكرى بينما ألقاها البعض في سلال المهملات!
مع ذلك، فلولا هذا الشريط ما كانت تلك الذاكرة، إن أكثر ما تستدعيه الذاكرة هنا هي خطب الخميني التي أشعلت الثورة الإيرانية عام 1979، وكانت تهرّب من باريس لإيران بواسطة هذه الشرائط التي تسجل وتسحب من علبتها البلاستيكية وتلفها النساء الإيرانيات في شعورهن ويهربنها لإيران.. ولطالما كان الكثير من الشباب المراهق يستخدمون كاسيتات الأغاني لرميها على الفتيات كنوع من المعاكسة بعد كتابة أرقام هواتفهم عليها. ففي النهاية الكل يكتب ذاكرته على طريقة زمانه!