بقلم - عائشة سلطان
أظن أنه لولا السفر، وتلك المصادفات التي تحدث أثناءه، ما كنت ستعرف يوماً أن صديقك يعاني منذ سنوات، من خوف مضاعف من الطيران، لولا ذلك العلاج الذي يتعاطاه سراً، ولولا المصادفة أيضاً، لقضيت عمرك دون أن تعلم أنك أنت نفسك تعاني رعباً من الأماكن الضيقة، جعلك ترتجف حينما زجت بك موظفة الأشعة في جهاز مغلق لإجراء أشعة على رأسك!
اكتشفت لاحقاً، مع توالي أسفاري، أن كثيراً ممن أعرفهم، مصابون بأحد أشكال الخوف من شيء ما، وأن معظم الرجال يعتقدون أن الاعتراف بالخوف، يخدش فكرة الرجولة الصلبة، أما اعتبار الخوف مرضاً يستدعي زيارة الطبيب، فأمر غير وارد لدى معظمنا!
كنت في سفر مع عائلتي منذ سنوات عدة، وقد قررنا أن نقود سيارتنا إلى منطقة جبلية عالية، اكتشفت يومها، وللمرة الأولى، أن بعض أفراد عائلتي مصابون بالخوف من الأماكن المرتفعة، فقد جمد بعضهم، وصمت تماماً، وتلاحقت أنفاسه، بشكل استدعى استغرابي، ذلك أن الطريق كان آمناً جداً، أتذكر أنني تساءلت يومها، كيف يمكن لشخص لم يعِشْ في منطقة مرتفعة، أن يخاف من الجبال؟، هل هذا الخوف نتاج تجربة صادمة، أم أنه مجرد هلوسات يخلقها دماغ يقود صاحبه بشكل متصاعد، حتى يصل به إلى السؤال: ماذا لو سقطت من أعلى الجبل؟، تماماً كما يتساءل المصاب بخوف الطيران: ماذا لو سقطت بي الطائرة في البحر وسط أسماك القرش؟.
إن معظم مخاوفنا، ليست سوى أوهام متراكمة، محبوسة في صندوق عقلنا الباطن، وبحسب ما يعمل هذا العقل، وأحياناً بحسب ما نرثه من جينات مختلطة، يتأسس ذلك العالم المتخيل فينا، وتنبني مخاوفنا وخيالاتنا. إن لكل منا فكرته الخاصة عن كل شيء، وعلاقتنا بالواقع، تنحت تلك الفكرة، لتبلورها حسب خبراتنا!