بقلم - عائشة سلطان
وما أدراك ما حرفة الأدب؟ إنها الحرفة التي تسرق العمر والراحة، وأحياناً متع الحياة المباحة، لذلك نرى معظم أهل الأدب الحقيقيين من بسطاء الناس، وربما من فقرائهم أيضاً، ومن هنا كان يقال فلان أدركته حرفة الأدب، والمقصود بفلان هنا هو الكاتب والأديب والشاعر والروائي والناقد والصحفي الذي قد تدركه حرفة الأدب أيضاً!
وأدركته حرفة الأدب أي تسلطت عليه، واستولت على جلّ اهتمامه، فصار يخدمها أكثر مما يخدم نفسه كالعالم والفنان، دون أن يتمكّن من التخلي عنها، فهي حرفة لا يتقاعد صاحبها ولا يستقيل ولا يعتزل، وهنا نتحدث عن الأدباء من أصحاب المواهب الفذة والأعمال المؤثرة والرؤى والأفكار الكبيرة!
يعتنق الكتّاب العظام الأدب كمن يعتنقون الدين، هكذا يقول باراغاس يوسا متحمساً، فماذا يحتاج الأدب من الأديب ليتم وصفه هكذا؟ في الحقيقة إنه يحتاج كل شيء: الميل والجهد والوقت والطاقة، إن هؤلاء الذين يمنحون الأدب كل ميلهم وجهدهم ووقتهم وطاقتهم هم وحدهم من سيكونون في وضع يمكنهم من أن يصيروا كتاباً عظاماً وحقيقيين، وأن ينجزوا أعمالاً تستمر بعدهم، هذا ما يقوله تاريخ الأدب وتاريخ الأمم، هكذا كان ماركيز، ونيرودا، ونجيب محفوظ، وتولستوي، وو!
لا شيء يمكن أن يغير أصول هذه القاعدة أو المعادلة، لا السوق ولا التجارة ولا الشطارة، يمكن للكاتب أن يستفيد من التطور، ومن التكنولوجيا، ومن قواعد الترويج والتسويق، لكنه سيظل دائماً بحاجة إلى الشغف الحقيقي، وإلى الجهد المتواصل مع الموهبة، وإلى الزمن لتتراكم النتاجات وتنضج، هؤلاء الذين يكتبون دون جهد وموهبة، ودون قراءات متواصلة، ودون تجربة ثم لا يحتملون أي نقد أو توجيه، لن ينتجوا أعمالاً تترك أثراً أو ذكراً، أو تعيش بعدهم، هؤلاء أصابهم عارض الشهرة، لكن لم تصبهم حرفة الأدب حتماً!