بقلم - عائشة سلطان
في مدينة ياخيموف، كان وجه ماري كوري أول ما استوقفني في مدخل فندق الراديوم بالاس «مركز الاستشفاء والعلاج بالمياه المشعة»، الواقع عند أقدام جبال كروشنا في تلك البلدة، كانت صورة مدام كوري تحتل مدخل الفندق، تلك الصورة الباهتة بالأبيض والأسود لوجه امرأة بولندية دقيق الملامح بتسريحة شعر تقليدية جداً، وثياب شديدة الاحتشام، هذه هي نفس الصورة التي مازال عقلي يخبئها لسيدة شاهدتها لأول مرة على غلاف أول كتاب اشتريته في حياتي، وأنا بعد، تلميذة صغيرة في الصف الخامس الابتدائي.
ها أنا ذا بعد سنوات طويلة أنزل في فندق تشيكي تقليدي، يبعد عن العاصمة براغ مسافة ساعتين بالسيارة، وهو ذات الفندق الذي سكنته ماري كوري، عندما زارت المنطقة منذ سنوات بعيدة، لإجراء تجاربها حول النشاط الإشعاعي لبعض العناصر الطبيعية، هذه العناصر التي ستتسبب لها لاحقاً بمرض من أمراض الدم الذي سيكون سبباً في وفاتها في باريس!
حين أخبرتني موظفة الاستقبال عن الغرفة التي احتلتها مدام كوري في الفندق نفسه الذي أقمت فيه، صممت على دخول الغرفة والاطلاع على محتوياتها، كانت غرفة بسيطة جداً، بامتيازات سنوات الثلاثينيات من القرن الماضي، لكنني أحسست بأن علاقة مضيئة قد اكتملت كقمر في مسيرة حياتي، أو بأن دائرة قد أغلقت على كمال تام خلال أكثر من أربعين عاماً.
كان كتاب «سيرة حياة مدام كوري مكتشفة الراديوم»، أول كتاب قرأته في حياتي، كما كان أول معرفتي بدور ومكانة النساء في دنيا العلم والجامعات العريقة والجوائز الكبيرة، وتحديداً جائزة نوبل، كنت صغيرة جداً على بعض المفاهيم والمصطلحات، لكن جائزة نوبل وجامعة السوربون من المصطلحات التي ظللت متباهية بمعرفتي بها، رغم جهلي بما تعنيه!