بقلم - عائشة سلطان
نعم نحن نتغير، وذلك طبيعي جداً، وهو ما يفترض أن يحدث بالنسبة إلى أي إنسان يعيش حياة كل ما فيها يتحرك ويتغير بشكل دائم. إن عبارة (نحن نتغير) قد تفهم على غير معناها الدقيق، لأن الذي يتغير في مفهومنا الاجتماعي العام هو ذلك الشخص الذي تطرأ عليه تبدلات في المواقف، سواء تجاه أصدقائه أو الناس المحيطين به أو تجاه قناعاته الأخلاقية والقيمية.
إن التغيير الذي أعنيه هنا هو المعنى المرادف للنمو، فنحن ننمو ليس بأجسادنا فقط، ولكن بمعارفنا وثقافتنا وتجاربنا، والكثير مما يتراكم فينا ويوسع نطاق ورؤية وفهم ذلك الشخص الذي كناه منذ ثلاثين أو عشرين عاماً.
سألني قارئ ذات يوم عن سبب التغيير الذي طرأ على نوعية الموضوعات التي أتناولها اليوم؟ فهمت أنه يتوقع مني أن أظل أكتب بنفس الطريقة والتوجه الذي كنت عليه منذ أكثر من عشرين عاماً! وكأن الزمن توقف والحياة لم تتغير وكأنني لم أعبر جسوراً تدفقت تحتها مياه بلا حصر.
تذكرت وهو يسألني تلك الفتاة التي دخلت مبنى صحيفة «البيان» للمرة الأولى منذ أكثر من عشرين عاماً، بلا معرفة كافية عن الكتابة وعوالم الإعلام والصحافة، وكيف صرت اليوم وقد راكمت كل هذه السنوات من الكتابة والخبرات.
تذكرت متعة التجارب في مسارات الأيام التي قطعتها؛ كم من البلاد زرت منذ بدأت أكتب، كم من البشر عرفت وقابلت؟ وكم مرة حزمت حقائبي، عدد المطارات التي عبرتها، ومحطات القطارات التي وقفت منتظرة على أرصفتها، سائقي سيارات الأجرة الذين أقلّوني إلى فنادق نسيت أسماءها، الساحات والأسواق التي مشيت فيها، والمكتبات التي زرتها والكتب التي اقتنيتها وقرأتها، والنقاشات التي دخلت فيها والمعارك التي شهدتها أو دارت قريبة مني.
بعد كل ذلك، أيعقل أن نظل كما نحن، ألن تضيق بعد كل هذا عباراتنا واندفاعاتنا لتتسع رؤانا ونظرتنا؟ تلك هي الحياة وهذه هي حكمة التغيير فيها!