بقلم - عائشة سلطان
في الأفكار والفلسفات، كما في أنماط الثياب والسيارات وبقية المقتنيات، علينا دائماً أن نكون مستعدين، لاستقبال أفكار جديدة ومغايرة عما اعتدنا عليه، فالذائقة تتغير، كلما أشرق نهار وغابت شمس عن عالمنا، فإن لم نفسح نحن المجال لهذا المختلف، فلن يستأذننا، بل سيشق طريقه إلى لحم الواقع، كرصاصة تعرف هدفها جيداً.
عندما كنا صغاراً، هبطت علينا في السبعينيات ربما (موضة) المجلات المصورة، التي تقدم قصصاً وأفلاماً مصورة، وهي في الأصل إيطالية، تضم قصصها أسماء لمشاهير السينما الإيطالية، ولكن بترجمة عربية، كانت تلك المجلات تأتي من لبنان، وكمراهقين، أقبلنا عليها بنهم المراهقة، وحب التلصص المغروسة في قلب كل مراهق، كما في قلب كل إنسان!
حينما كنا نشتري تلك المجلات ونقرأها، كنا نفعل ذلك خفية عن أعين أهلنا، كنا نعلم أنها لن تروق لهم، ولن يتسامحوا معنا إزاءها، كنا كتلك المراهقات الصغيرات اللاتي كن يخفين دواوين نزار قباني تحت الوسائد، خوفاً من عيون الأهل في تلك السنوات، التي بزغت فيها ظاهرة دواوين نزار قباني المتمردة.
تتغير النظرة للقيم، وتتغير الذائقة، تأتي أجيال مختلفة باستمرار، وكل جيل يأتي قادماً ومعه ذوقه واختياراته ورؤيته ومفاهيمه، نحن جيل طالع تلك المجلات، لكننا حين عرفنا الطريق للقراءة، قرأنا لـ: تولستوي، ودستويفسكي، وبروست، وماركيز، ونجيب محفوظ، وطه حسين، وعبد الرحمن منيف.
وبرغم كونها سرديات أدبية عظيمة، وإرثاً إنسانياً عبقرياً، إلا أننا لا يمكن أن نُكره شباب اليوم عليها، فقد يأتي يوم ويقبلون عليها، ربما حين ينضج وعيهم ومعارفهم أكثر، لكن دون الحاجة لإطلاق تلك الأحكام الأخلاقوية الصارمة، فما قرأناه نحن ذات يوم، نظر إليه جيل قبلنا أيضاً، على أنه لا يعتبر شيئاً، أمام إرث ابن خلدون والمتنبي وابن برد وشعراء المعلقات، لكن العالم لم يتوقف عند أبي الطيب، ولم ينتهِ عند محفوظ!