بقلم - عائشة سلطان
أتذكر جيداً، وأنا أعد لجلسة حوارية حول واحدة من أشهر الأعمال الروائية لنجيب محفوظ، أنني قرأت أنه قبل أن يبدأ في كتابة «أولاد حارتنا» لم يكتب حرفاً واحداً لمدة خمس سنوات كاملة، قضاها في القراءة والتأمل والدراسة، فأعاد قراءة كتب الأديان كافة وأولها القرآن الكريم، كما قرأ كتب الفلسفة اليونانية، والفكر العالمي، والأفكار والمعتقدات المعروفة، وبعد مضي تلك السنوات الخمس قرر أن يباشر كتابة تلك الرواية الفارقة.
يحتاج البعض ممن ينظرون إلى حرفة الكتابة والأدب باعتبارها طريقاً سهلاً للشهرة والحضور، وأولئك الذين يعتبرون الأدب حرفة من لا حرفة له أن يعرفوا ذلك، فهؤلاء الكبار الذين عاصرناهم أو الذين سبقونا إلى الحياة بمئات السنين، لم يحققوا ذلك العلو والخلود بالسطحية التي يتحدث بها البعض اليوم عن الأدب!
يقول لك أحد المشتغلين في هذا المجال إنه يحق لكل واحد أن ينظر لنفسه على أنه ماركيز! أو يحلم بأن يرث عرش الأدب عن محفوظ، أو يكون صنواً لعبد الرحمن منيف أو..، وبينما أنت لا تعارض هذه الأحلام بل ستكون أسعد الناس قاطبة لو حصل وتحقق ذلك، فإن معظم ما يموج به واقع الحال ينبئ بكتابات لا تتسق مع منطق الرجل، فتسكت على مضض حتى يأتي ذلك الوقت الذي يبزغ فيه الماركيز الجديد أو المحفوظ المنتظر!
مع ذلك، فلا بأس أن تبتسم ملء قلبك وأنت تتذكر أوقات المتعة الخالصة وأنت تقرض فيها كفأر دؤوب الصفحات الـ500 لرواية «مائة عام من العزلة» للمرة الثانية، أو الثلاثية العظيمة لمحفوظ، أو «مدن الملح» لمنيف أو...، بينما تسطع في خيالك وجوه أبطالها الخالدين: سيد عبد الجواد والست أمينة، وعاشور الناجي، ومتعب الهذال، والكولونيل أورليانو ووالدته أورسولا.. في حين لا تتذكر شيئاً لهؤلاء الذين يريدون وراثة أولئك، دون موهبة أو ثقافة أو جهد أو فكر!