بقلم : عائشة سلطان
أرسلت لي صديقة عزيزة بعض صورها أيام كانت شابة في مقتبل سنوات الشباب، ذلك العمر البهي الذي حين نستحضره نتذكر أن كل ما فيه كان جميلاً وبهياً، وفي أفضل حال، وما ذاك بسبب محاسن الزمان فقط، ولكنه بسبب محاسن الشباب الذي يجعل كل شيء بهياً وممكن التنفيذ، فالصحة وافرة، والشغف لا حدود له، والأصحاب كثر، والقلب نضر كعود أخضر شقّ طريقه للنور فجراً، فماذا يحتاج الإنسان بعد؟
حين نظرت في الصور قلت لها (ما أحلاك يا صديقتي) قالت (سقى الله تلك الأيام) قالت ذلك ومضت، كمن داخلها شيء من الحسرة، والحقيقة أنها ليست وحدها، فكلنا ذلك الشخص الذي يتحسر على تلك الأيام وذلك العهد (عهد الصبا)، ففي المتداول يقول الجميع (ذاك زمان الطيبين) مع أنه لا شيء يؤكد أن كل من كانوا فيه كانوا طيبين، وإن غلبت الطيبة على الجو العام!
ويوصف بأنه (الزمن الجميل) فهل كان زماناً جميلاً بالفعل؟ فكيف ننظر للفقر والكفاف، وانتشار الجهل، وقلة ذات اليد، ومكافحة الظروف، ومواجهة الأهوال ووحوش البحار وظلمات الأعماق في سبيل لقمة العيش؟
في مواجهة كل تلك القسوة هل يحق لنا أن نتساءل: أين يكمن الجمال يا ترى؟ أظنه يكمن في الشباب والجمال والصحة وبساطة تفاصيل العيش، وتدني سقف الطلبات؟ إن الشباب، أكثر من أي شيء آخر، يجعلنا نرى كل شيء ميسراً وفي متناول اليد إذا شئنا، ففي الشباب بإمكانك التنقل والمشي والسير والذهاب حيث تريد، وفي الشباب أنت لا تفكر في الغد؛ لأنك بلا تجارب وبلا مسؤوليات وبلا هموم، في الشباب كل الأصحاب حولك، كما بإمكانك أن تكتفي بنفسك وبلا خوف، في الشباب أنت مقبل على الدنيا لا تعاني من العجز ولا من الوحدة والمرض والحاجة، وبالتالي لا تتبرم من شيء أبداً، الشيخوخة هي ما يجعلك متبرماً، كثير الانتقاد لكل شيء، وغالباً ما تلتفت فلا تجد من تريدهم حولك!
قلت لصديقتي، وهي لا تزال في أجمل سنوات عمرها، إذا ذهب شيء من نضارة الشباب فقد أعطتنا رحلة الأيام ما هو أجمل وأبقى، أعطتنا الحكمة والأصدقاء والبصيرة، نحن كمن يقطع طريقاً إلى جزيرة جميلة، يتزود للجزيرة بالكثير دون أن تعده الجزيرة بالكنوز، فيمر بأجمل الأسواق ليشتري العطور والهدايا، وطالما بقي فكرنا سامياً، ومسّت عاطفة نبيلة أرواحنا وأجسادنا فلن نخاف الطريق، ولن نندم على ما فقدناه أثناء الرحلة، لأن ما كسبناه كان أجمل بكثير تماماً كما قال الشاعر العظيم (كفافيس) وهو يصف الطريق إلى «إيثاكا»!