بقلم - عائشة سلطان
تحيلك رواية أليف شافاق الأخيرة «10 دقائق، و38 ثانية في هذا العالم الغريب» إلى مواقف مررت بها، وأزمات عبرتها في مراحل عمرك المختلفة، كما وتستثير ذكريات كامنة تحسب أنك نسيتها أو أن عقلك قد تخلص منها بطريقته، إلا أن (ليلى) بطلة الرواية تخرج لك لسانها لتقول لك، لا شيء يحدث لنا في حياتنا ويغيرنا، أو يترك ندبة ما في قلوبنا يمكن أن ننساه، أو أن في استطاعة عقلنا أن يتخلص منه بطريقته.
لا بد من القول ابتداء، إن هذه الرواية احتلت مكانة بارزة في القائمة القصيرة لجائزة البوكر العالمية، وإن حبكة ومسار الرواية يتمركزان حول حيوات مجتمع نساء عانين الكثير، كل بطريقتها، الأمر الذي يذكر برواية العُمانية جوخة الحارثي (سيدات القمر) التي نالت جائزة المان بوكر العام الماضي.
وكما نقلت جوخة عبر روايتها نبض القرية والبيت والعلاقات الأسرية في عُمان، عابرة أزمنة الرق إلى تحولات النفط والمدينة والإنسان، فإن أليف شافاق تنبش في أحشاء مدينتها «اسطنبول» التي تعرفها جيداً، لتعرض لنا وجهها الآخر، القاسي والمنهك، والبائس. إنه وجه مدينة اسطنبول الحقيقي الذي شكل ويشكل حياة ومصير أي إنسان فيها، حيث لا يختار الإنسان قدره، ولكنها المدينة وعلاقاتها وإكراهاتها وترتيبات علائقها ومصالحها، هي من يقرر!
تمد شافاق يدها بكشاف ضوء باهر إلى الحياة التي شكلت حياة أبطالها، ورمت بهم بعيداً وبكل قسوة، ثم وعبر ذاكرة عقل امرأة لفظت أنفاسها للتو تغوص بنا في حياتها وحياة بشر كثيرين تقاطعت دروبهم مع هذه المرأة في الأحياء والشوارع الخلفية واللاجئين والهاربين والطلاب والعسكر والأرمن والنساء المنفيات خارج الرحمة والحياة، كل ذلك عبر زمن لم يستغرق أكثر من 10 دقائق و38 ثانية فقط!