بقلم - عائشة سلطان
أتذكر حين كنت في الصف الرابع الابتدائي، أتذكر أننا كنا أطفالاً صغاراً، وكانت في فصلنا فتاة أكبر منا بكثير، أُدخلت المدرسة في سن متقدمة، سمعت واحدة من زميلاتنا تقول، أنا لا أريد أن أصبح كبيرة مثل (فلانة)، فلا يكون الإنسان جميلاً حين يكون كبيراً، حين سألناها لماذا؟ قالت ذلك، قالت إنها سمعت أمها تقول ذلك!
البحث عن الخلود، تحاشي الشيخوخة، الهروب إلى الأمام، البحث عن مبتكرات الجمال والتجميل، السعي لأسباب السعادة والبهجة، من دون حتى يقين مؤكد، حول ماهية السعادة وتفاصيل البهجة، هذه كلها مما سعى الإنسان ليتحصل عليها منذ الأزل، منذ هبط إلى الأرض، منذ كتب أساطيره وخرافاته على جدران الكهوف، وخرج يبحث عن سر الخلود، منذ أيام جلجامش ورفيقه أنكيدو!
مع ذلك، فنحن لا ننتبه إلى أن التغيير الذي يظهر علينا، ينتقل إلى تفاصيل نحبها بشكل جميل، نكبر نحن، ويكبر أطفالنا أيضاً، نقول بفرح غامر ومفاجئ: يا إلهي، أيعقل هذا؟ تلك الصغيرة التي كانت بثياب المدرسة، صارت عروساً اليوم؟ ويا الله، كيف مضى العمر، وصار ذلك الولد الخجول طياراً وسيماً، يتنقل بين العواصم؟. ففي العمر الذي يعبر مجتازاً بنا ذلك السور الوهمي بين اليوم والبارحة، تتكاثف أعشاب الحدائق، يصير الشجر عالياً جداً، نرى نصف العالم، يكبر الصغار، يزهرون في الدنيا، تتغير ملامحنا، وتصير وجوه المدن، كأننا لم نولد فيها.
لا تبقى الأشياء على حالها، لكن العمر صعب على الذين لم يحركوا فيه ساكناً، ولم يحرثوا أراضيهم بالأحلام والأعمال، الذين فعلوا تعبوا، لكنهم حين يستظلون بوارف ما زرعوا، يبتسمون برضا، لا ينسون، لكنهم يعترضون بدرجة أقل، أو بحزن أقل وطأة، الذين يسقطون في متاهة الخيبة، هم أولئك الذين يجدون التغيير قد جرف أوطانهم وذاكرتهم وشبابهم، وجعلهم كأشجار جرداء، في تيه بلا نهاية، ما أصعب هذا التغيير!!