بقلم - عائشة سلطان
ظلت موضوعة المرأة شكلاً من أشكال المحرمات الاجتماعية في البلدان ذات الطبيعة القبلية، وتحديداً في بعض بلدان الخليج، فمن المحظور ذكر اسمها في مجالس الرجال مثلاً، ومن غير المقبول أن يسأل الرجل عن اسم زوجته أو أمه، أو يكنى باسم ابنته!
الزمن ليس طويلاً بين ذاك العهد الذي كان فيه جدي يثور غضباً إذا ذكر اسم جدتي أو اسم أمي أمامه في حضرة رجال غرباء، كان ذلك منذ أقل من أربعين أو ثلاثين عاماً ربما، لكن هذا الرجل الكبير، الصارم، المتمسك بقيم أجداده ومجتمعه لم يورث أحفاده هذه النظرة أو هذا التوجه في تعاطيه ونظرته الملتبسة للمرأة، لقد تمكن مجتمع الإمارات بقوة التعليم والتغيير أن يجسر الهوة السحيقة في النظرة للمرأة بين ما كان مغيباً ومقصياً وما أصبح واضحاً وعالياً ومعترفاً به!
اليوم، وكدليل على عبورنا هذا المأزق الاجتماعي وبمنتهى التحضر والوعي يختار معرض أبوظبي الدولي للكتاب شخصية الشاعرة الإماراتية الراحلة عوشة بنت خليفة شخصية للمعرض وتميمته الرئيسة، إن ذلك ليس تطوراً ثقافياً في منظومة التفكير فقط، إنه ثورة حقيقية في طريقة تفكير المجتمع والنخب وصناع القرار!
وكلما مررت باسم عوشة بنت خليفة في معرض الكتاب، تذكرت كيف أن هذه المرأة العظيمة بإصرارها وإبداعها الصادق، وضعت نفسها وصنعت مكانتها إلى جانب شخصيات ورموز في السياسة والفكر والفلسفة، كالشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وابن رشد، وغيرهما ممن اختيروا كثيمات وشخصيات سابقة للمعرض نفسه!
إن هذا الاختيار يقول بصراحة إنه لا فرق إذن في القيمة بين الدور الرائد لفيلسوف بحجم ابن رشد وللدور المؤثر والعميق لتراث عوشة بنت خليفة الشعري، ولمسيرتها ونضالها الحياتي!
ذلك أحد أوجه العمق الإنساني والثراء الحضاري لمجتمع متطور ومتغير باتجاه الحياة كما يجب أن تكون الحياة في صالح الإنسان.