بقلم : عائشة سلطان
يبدو الأمر وكأنه مفارقة، لكنها مفارقة ساخرة، ساخرة بشكل مرّ وقبيح إنسانياً، ففي الوقت الذي اعترفت فيه شركة فيسبوك في بيان رسمي بأنها كانت «بطيئة للغاية» في التصدي لخطاب الكراهية، فيما يتعلق بمسلمي الروهينغا في ميانمار، وأنها تعمل حالياً على حل المشكلة، وبالتوازي مع هذا الاعتراف المُهم لا تجد خطابات كراهية وسياسات عنصرية شديدة الخطورة في مناطق كثيرة من العالم، أي نوع من إجراءات التصدي وقوانين المواجهة من قبل حكومات تتعرض مكونات مجتمعية فيها لمخاطر جمَّة تهدد وجودهم!
لقد كتبت صديقة عراقية، مقيمة في كندا، رسالة استنكار مستحق وطافح بالمرارة، على صفحتها في فيسبوك حول مصير الفتيات الأيزيديات اللواتي اختطفهن تنظيم «داعش» القذر في العراق، وقيل الكثير من البشاعات حول بيعهن كسبايا، واغتصابهن وقتلهن، ومن بقي منهن تُركن تحت رحمة الخاطفين، في الوقت الذي لم تعترف فيه الحكومة العراقية بتقاعسها أو إهمالها في معالجة هذا الملف الحساس، كما لم تحرك ساكناً في أي اتجاه للبحث في وعن مصيرهن، وتعريف العالم بقضيتهن، فيما يشبه حملة عالمية على جميع المستويات، ما يؤشر إلى أنها غير مبالية بهؤلاء الفتيات اللواتي ينتمين لمكون اجتماعي أصيل ضمن المجتمع العراقي!
ربما لن تمنع جهود فيسبوك تلك الكوارث التي تعرض لها مسلمو ميانمار، كما أن الشعر والأغاني والمطالبات ربما لن توقف آلة القتل الهمجية ضد الفلسطينيين، ومؤكد أن القوة الرادعة هي التي ستكف أيدي الإرهاب والتسلط عن سوريا وليبيا واليمن، وأن فيسبوك وغيره ليسوا حلاً كما يعتقد البعض، لكن ذلك غير صحيح مطلقاً، فكما أن الجيوش والأساطيل قوة ضاربة في ميزان القوى بين المتحاربين، إلا أن القوة الناعمة لها تأثير ساحق، فالمعرفة والوعي بالقضايا والمخاطر والإبادات أول الطريق نحو الخلاص وتغيير الواقع!
لقد رسم الفنان العالمي بيكاسو لوحته الشهيرة «غورنيكا» تخليداً لمدينة غرنيكا في إقليم الباسك الإسباني حين قصفته طائرات الألمان والإيطاليين، لترويع الناس وإخضاعهم، فكلفته حكومة الجمهورية الإسبانية الثانية بعمل لوحة جدارية تخلد الحادثة وتعرض مأساة الحرب والمعاناة التي تسببها للأفراد، اليوم فإن هذه اللوحة شاهد على الجريمة ومضاد للحرب، وأكثر المعالم التي لفتت أنظار العالم للحرب الأهلية الإسبانية!