بقلم - عائشة سلطان
رغم أن الوباء قد سمَّرنا في منازلنا، وحال دون ممارسة حياتنا بالشكل الذي لطالما اعتدنا عليه، إلا أن الإنسان مثلما هو كائن اجتماعي بالفطرة، فإنه كذلك كائن يعتاد ويتأقلم سريعاً في ظل أي ظروف مهما كانت قسوتها وغرائبيتها، لذلك جاء لجوؤنا للمنصات الرقمية لتنفيذ أنشطتنا وأعمالنا.
ومع ذلك، لا بد من الإقرار بأنه لا يمكن للحل المؤقت الذي اقتضته أو فرضته الظروف، باعتباره أفضل الموجود، أن يتحول إلى خيار دائم، أو يلغي ذاك الذي كان سائداً، إلا إذا قرر الإنسان أن ما وجده في الحل المؤقت كان أفضل وأنفع وأكثر جدوى وأقل كلفة وجهداً.
وحتى إذا ما توصل البعض لهذا الرأي في المجال الإداري أو الاقتصادي أو المالي، كالمصارف ومكاتب العمل التي لا تستلزم اتصالاً مباشراً مع الجمهور، أو أن العمل نفسه يتصف بالبعد الأحادي، ويوفر للشركات والمؤسسات المالية أموالاً وأوقاتاً وغير ذلك، فإننا في النشاط الثقافي، يمكننا اللجوء إليه أحياناً فيما بعد، إلا أنه لا يمكننا التعويل عليه كلياً. إن المسرح والورش الإبداعية وحفلات الموسيقى والمحاضرات والأمسيات الشعرية، وجلسات النقاش النقدية للكتب والأفلام والمسرحيات تحتاج دائماً للبعد الإنساني الحقيقي، وللحضور المباشر لإحداث أكبر قدر من التأثير والمنفعة.
إن اقتصار النشاط الثقافي خاصة على الشكل الافتراضي فقط، سيفقده البعد الإنساني الحميم، وسيدخل الناس مع مرور الوقت، في دوائر من العزلة والملل وفقدان الشغف، نتيجة تشابه أو جمود الشكل الذي يقدم به النشاط عبر منصات محددة ومتكررة، وبالمقابل ستفقد أنشطة ثقافية عظيمة وذات تاريخ عميق دورها ومكانتها الكبيرة، كالمسرح وحفلات الموسيقى ومعارض الكتب و... إلخ، وسيبدو وكأن الإنسان عاد إلى الوراء كثيراً بتخليه عن منجزات عظيمة في مسيرته الحضارية.