بقلم - عائشة سلطان
بقي الأستاذ الجامعي النابه، صاحب المحاضرات ذائعة الصيت في علم النفس السلوكي، والمهتم بدراسة السلوك الفردي في المجتمع الأمريكي الرأسمالي، يبحث عن إجابة تقوده لحل لغز الطالبة المنتحرة، لكنه لم يعثر إلا على المزيد من الأسئلة وعلامات التعجب.
اهتدى أخيراً إلى خلاصة مفادها أن إنسان المجتمعات الرأسمالية، ينشأ وفق تربية (في البيت، في المدرسة، في الإعلام، في القانون..)، تعلي في داخله نزعة الأنا، وعبادة الذات، والاهتمام بكل ما يمكن أن يحقق له الفائدة والمتعة واللذة، أما ما هو خارج ذلك، فغير جدير بالالتفات.
أمام حالة كهذه، وقع الأستاذ تحت عبء سؤال في غاية الأهمية، طرحه على الجميع: على النظام التربوي والتعليمي والسياسي الذي يحكم هؤلاء الناس، وعلى النظرية الفردية الرأسمالية، التي تحرك حياة الأمريكيين: هل نعرف بعضنا حقاً، وهل نهتم ببعضنا فعلاً في هذا المجتمع الفردي، المنشغلة كل أجهزته وقوانينه وحركته، بإعلاء قيمة الفرد، وتبجيل حقوقه، وعبادة نرجسيته؟.
فهل هذه التربية والتوجيهات التي يتلقاها الإنسان منذ نعومة أظفاره، والتي خلاصتها (أنت الأهم، ولا شيء يهم بعدك، أنت المهم، فلا تنشغل بأمور واحتياجات غيرك، فكل شخص مسؤول عن نفسه)، قادرة فعلاً على تحقيق وخلق حياة اجتماعية منسجمة ومتصالحة وآمنة لأفرادها؟.
ليس من السهولة تغيير النظرية التربوية الفردية، ولا تغيير مخرجاتها التي تسللت إلى مجتمعاتنا عبر طرق عديدة، مع ذلك، فالمجتمعات الفردية قد أفرزت العديد من الأزمات والإشكالات الأخلاقية والاجتماعية، لكن لا أحد يريد أن يعود إلى الوراء، أو يغير صياغة أي شيء، فهذه مكتسبات المجتمع الحر المتحضر، التي يتمنى الجميع أن يكونوا مثله، أو يهاجروا إليه.. للأسف!