بقلم _ عائشة سلطان
في كتابه «الموجز في الإهانة» يذهب الكاتب والناقد الفرنسي برنار نويل إلى أن النظر إلى وسائل الإعلام كالتلفزيون مثلاً باعتبارها وسائل توفر للمشاهد ما يحتاجه من أخبار ومعلومات وتسلية فيه الكثير من القصور والسذاجة، فأجهزة التلفزة تقوم بما هو أخطر بكثير، بحيث لا يمكن الحديث عنها بمعزل عن تجمعات رؤوس الأموال وشركات ووكالات الإعلان الضخمة.
إن هذه الوكالات حين تخصص ملايين الدولارات لشراء مساحات إعلانية تتخلل مسلسلاً أو برنامجاً رياضياً أو فنياً مثلاً فإنها تفعل ذلك لأن هذا المسلسل أو هذا البرنامج يستقطب أعداداً متزايدة من المشاهدين، فإذن هي في الحقيقة تشتري عقولاً جاهزة، تشاهد المسلسل أو البرنامج باسترخاء واستلاب حقيقيين، وإذن فهي عقول مجهّزة وجاهزة لأن توجّه أو تملأ بأية أفكار أو توجيهات أو قناعات، ما يعني أن أجهزة التلفزة تجهزنا جيداً، ومن ثم تبيع عقولنا للمعلنين أو وكلائهم الكبار.
مواقع التواصل المنتشرة بشكل عجيب بيننا، تهافت المراهقين على تويتر وإنستغرام وسناب شات تحديداً، وتحولهم إلى: أنا ناشط وصاحب تأثير بطريقة ما ولنقل بطريقته، وإما متابع متلصّص، يتابع الأكثر انتشاراً من مشاهير السوشيال ميديا، بحيث إنك لو فتحت طاقة الحديث عن هذا وهؤلاء لوجدته يعرفهم اسماً اسماً، ويعرف على وجه الدقة كل ما يتحدثون فيه، ونقاط قوتهم وضعفهم وعدد متابعيهم ..وإلخ!
إن مواقع التواصل هذه، وأعداد لا تحصى ممن يطلق عليهم مؤثرين لأنهم يروّجون إعلانات لأدوات التجميل والمطاعم وشركات العقارات والمراكز التجارية والمقاهي وأسماء بيوت أزياء بعينها.. هؤلاء ينحصر تأثيرهم في الحقيقة في إعلاء قيم السوق وثقافة الاستهلاك ليس إلا، فهم يخدمون شئنا أم أبينا مصلحة رأس المال العالمي من خلال ترويج أنفسهم كمؤثرين، وترويج الإعلام التقليدي لهم كذلك، في حين أن المؤثرين الحقيقيين هم موجهو الرأي، والسلوك، هم الذين يغيّرون القناعات والأفكار، وينقلون الرأي العام من موقف إلى موقف مناقض له بحسب قدراتهم الإقناعية.. وللحديث بقية.