بقلم - عائشة سلطان
الروسي أنطون تشيخوف أحد أبرز كُتَّاب روسيا، وهو أفضل من كَتَب القصة القصيرة، معتمداً على ذكاء حاد، والتقاطات في غاية الإنسانية والعمق، وعبارات من مدرسة ديستويفسكي في التحليل النفسي لشخوص العمل الذي يتناوله، في واحدة من قصصه يقول تشيخوف: «عليك أن تعلم علم اليقين، أن المرء يخوض صراعاً بينه وبين نفسه كل يوم، مع ألف همّ، وألف حزن، ومئة ضعف، ليخرج أمامك بكل هذا الثبات».
يكتب أدباء روسيا عن بشر، إما غارقين في تعاسة حياتية سببها الفقر وسوء الأحوال المعيشية بسبب الطبقية واختلالات المستوى المادي وفساد النظام الحاكم وتفشي البيروقراطية والبطالة، وإما غارقين في الجهل والاستسلام، حيث يرون ضياع حقوقهم وحرمانهم وفقرهم، لكنهم لا يستطيعون أن يحركوا ساكناً، بل إنهم غالباً ما يقرون بحق السادة في فعل ما يشاؤون بهم، حتى الظلم يتقبلونه وكأنه قدر مقدور!
عبارة تشيخوف تحكي واقعنا الحياتي الذي نعيشه كل يوم، في الشارع والعمل ومحل البقالة والسوق...، هؤلاء الذين يصارعون الهموم والأزمات والمصاعب كل يوم ليخرجوا من بيوتهم بالقوة والابتسامة والثبات الذي يقابلوننا به.
هذا واقع موجود بالفعل وإن لم نره، وهؤلاء البشر يصادفوننا كل يوم، لكننا لا نلقي لهم بالاً، بل ونمعن في الحكم عليهم سلباً وظناً وظلماً، وتحميلهم أكثر مما يحملون ويحتملون، هذا لأننا كبشر نعيش حقبة قاسية تخلصنا فيها على ما يبدو من حساسيتنا الإنسانية، ومن تلمسنا لدواخل الإنسان قبل النظر في شكل جسده وثيابه وملامح وجهه!
نحتاج إلى أن نتوقف قليلاً، وأن نفكر في أن الآخرين يعبرون الظروف القاسية التي نعبرها نحن، وربما بشكل أشد وطأة، نحتاج إلى أن نراجع ملف إنسانيتنا بعض الشيء!