الوجوه التي توارت

الوجوه التي توارت!

الوجوه التي توارت!

 صوت الإمارات -

الوجوه التي توارت

بقلم : عائشة سلطان

في واحدة من رواياته، وأحسبها «صخرة طانيوس»، يذكر أمين معلوف أنه (ما من قرية أو مدينة تخلو من مجنون أو رجل دين، ورجل الدين هذا قد يكون شيخ المسجد، أو خوري الكنيسة) فأما المجنون فغالباً ما يجهل الناس متى أو كيف عثروا عليه هكذا، وكأنهم ورثوه مع تاريخهم وسائر معالم بلدتهم، وفي طفولتنا اعتدنا وجود شخص كهذا، كنا نختلق حوله قصصاً غامضة ونركض خلفه نقذفه ببعض الكلمات الجارحة، وبما يقع في أيدينا!

في الحي الذي شهد طفولتي كان هناك أكثر من مختل، لا نعلم أهلهم ولا أين يسكنون، نتخيل أنهم ينامون في الأزقة أو داخل المسجد، وحين كبرنا أخذتنا الظروف من أيدينا وتنقلت بنا من حي لحي آخر، بالتدريج اختفى أولئك الأشخاص، لم يسأل عنهم أحد، ولم يفتقدهم أحد، لكن مع انسحابهم من مشهد الحياة اليومية للأحياء الجديدة اختفت الكثير من ملامح الحياة التي اعتدناها، وأصبح الناس يهمهمون بالشكوى!

أصبحت الأحياء أجمل لكن خفتت العلاقات الحميمة بين قاطنيها، وتوارى الجيران الطيبون الذين يزورونك كل يوم حاملين معهم أشياء عادةً ما تبهج الصغار، اختفى الصغار الذين يلعبون في فضاء الحي من دون خوف، وأصبحت المناسبات الجميلة مجرد احتفالات شكلية، أما العجائز الذين كنّا نصادفهم يسيرون بهدوء يزورون هذا ويتحدثون مع ذاك فلم نعد نصادفهم، كما اختفت الشخصيات الغامضة من الحكايات؛ لأن الأمهات توقفن عن القصّ ورحلت الجدّات، وأصبح كل هذا في حكم الماضي!

اكتشفنا لاحقاً أن أولئك المجانين كانوا أناساً طبيعيين وطيبين جداً، أصيبوا بصدمات أو أمراض أو مواقف لم تحتملها شفافية نفوسهم فانكسروا تحت ثقل تلك المواقف، كما اكتشفنا أن هؤلاء قد ازدادوا ولم ينقصوا أبداً لأن الصدمات أصبحت أكثر، وأنهم صاروا يحتجزون في مشافٍ خاصة، كما يحتجز العجائز في دور المسنين!

هؤلاء الذين تواروا كانوا يمنحون الحي بركته وحيويته وهويته، وروحه اللطيفة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوجوه التي توارت الوجوه التي توارت



GMT 04:45 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

ما في أنفسهم

GMT 04:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

صناعة الأماكن

GMT 04:40 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

سيارة كمال الطويل

GMT 04:38 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

اللعبة الخطرة

GMT 04:36 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

ستارت – 3

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 00:23 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 08:23 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 20:55 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الهجرة الكندي يؤكد أن بلاده بحاجة ماسة للمهاجرين

GMT 08:24 2016 الأحد ,28 شباط / فبراير

3 وجهات سياحيّة لملاقاة الدببة

GMT 03:37 2015 الإثنين ,08 حزيران / يونيو

عسر القراءة نتيجة سوء تواصل بين منطقتين في الدماغ

GMT 22:45 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

استمتع بتجربة مُميزة داخل فندق الثلج الكندي

GMT 02:49 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

ليال عبود تعلن عن مقاضاتها لأبو طلال وتلفزيون الجديد

GMT 04:52 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

"هيئة الكتاب" تحدد خطوط السرفيس المتجهة للمعرض

GMT 04:47 2018 الأربعاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

شادي يفوز بكأس بطولة الاتحاد لقفز الحواجز

GMT 18:39 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل الأماكن حول العالم للاستمتاع بشهر العسل

GMT 17:16 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

وعد البحري تؤكّد استعدادها لطرح 5 أغاني خليجية قريبًا

GMT 05:14 2018 الخميس ,04 تشرين الأول / أكتوبر

إيرباص A321neo تتأهب لتشغيل رحلات بعيدة المدى
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates