بقلم - عائشة سلطان
النظر إلى أزمات الحاضر وظواهره التي تبدو لنا وكأن الأيام المعاصرة قد أفرزتها من الفراغ، يعتبر نظراً قاصراً، فيه نزوع إلى سلخ الظواهر عن جذورها، وفصل النتائج عن الأسباب التي قادت إليها، فظاهرة التمييز العنصري التي فجّرت الشوارع الأمريكية ورفعت اللافتات المطالبة بحقوق السود في بلد لطالما تباهى بأنه بلد الحرية والمساواة والحقوق المدنية، لا يمكن أن تكون وليدة الساعة، أو لأن ثلاثة ضباط بيض البشرة تآمروا على قتل رجل أسود بسبب عنصريتهم!
علينا أن نعترف بأن العنصرية ليست أزمةً أخلاقية راهنة ولّدتها ضغوطات مدن الحداثة، إنها وضع تاريخي عاشه بشر دفعوا ثمنه غالياً، وحينما حاولوا الخلاص منه كان خلاصهم شكلياً في أغلب الحالات، بينما بقي جذرٌ ما كامن هناك في الذهنية البشرية العامة، التي تعامل الآخر بتعالٍ فج بسبب لون بشرتهم لا أكثر!
«green book» واحد من أكثر الأفلام التي ناقشت فكرة العنصرية بشكل مباشر شديد التأثير، يبدو منذ مشاهده الأولى ماضوياً يتحدث عن حقبة مرّت في تاريخ أمريكا وانتهت، ولا علاقة لها بواقع الحال الراهن، إلا أن الحقيقة التي نستشفها من خلال تفاصيل الرحلة التي يقوم بها بطلا الفيلم «العازف الأسود» و«حارسه أو سائقه الأبيض» عبر مدن الجنوب تقول الكثير وتهز العديد من المسلّمات والصور النمطية لدى معظمنا!
حقيقتان يكشفهما الفيلم لنا دون مواربة: إن البشر كانوا ولا يزالون أصحاب نزعة عنصرية شكلت ثقافة بشرية عالمية على مر التاريخ، لذلك فجميعنا عنصريون بشكل أو بآخر. كما أنهم في كل تاريخهم ميالون لا شعورياً للاستسلام لما يسمى ثقافة الصورة النمطية التي نكوّنها عن الآخرين بحسب ثقافاتهم ودياناتهم وألوانهم!
إن الفيلم يسائل أذهاننا ويريد منا الاعتراف بعِللنا بصوت عالٍ لنتمكن من تجاوزها.