بقلم - لحظة فرار
استغرق مني الأمر وقتاً طويلاً في التأمل، فليس من السهل أن يقدم إنسان على جريمة قتل، فكيف به أن يقرر قتل نفسه؟ حاولت أن أتخيل نفسي قريبة منها لأنقذها من تلك اللحظة التي كانت تستعد فيها لتدفع بجسدها في الهواء، وقبل أن تنزلق في الفراغ الذي لا رجعة منه، ولا نهاية له سوى ذلك الارتطام الذي سيحيل جسدها إلى مجرد حطام، وجسد متخم بالرضوض والدماء، وحتماً بلا حياة!
كيف أمكنها فعل ذلك، بدا الحادث بالنسبة لي غير معقول أو غير منطقي، يقول الخبر الذي نشر في إحدى الصحف المحلية: «إن فتاة في الرابعة عشرة من عمرها لم تتحمل قسوة الحياة في ظل خلافات الوالدين، وتنمّر زملاء المدرسة، وقسوة ملاحظات والدها، فما كان منها سوى أن قذفت بنفسها من ذلك العلو الشاهق»، كيف؟ وما الذي يمكن أن يكون سبباً في انتحار طالبة صغيرة؟
وما بين الإصرار على البقاء رغم كل شيء وما بين الموت، لحظة قصيرة مقتطعة من حساب مجهول، لحظة فارقة وغير مرئية، لكنها لا تستغرق سوى ثوان، إنها لحظة القرار، أو لنسمّها لحظة الفرار النهائي، والأمر سيان، فلا رجعة من أو عن أي منهما!
إن الذين ينتحرون لم يمنحوا أنفسهم وقتاً، أياً كان عنوانه أو مدته، للتفكير في أولئك الذين سيتلقون خبر موتهم؛ أمهاتهم، آبائهم، أحبتهم، أصدقائهم، ذلك أنهم لا يكونون لحظتها في أي دوائر مشتركة مع أحد، أين يكونون؟ تمنيت لو أعرف.
لقد ترك في نفسي أثراً بالغاً، مشهد الأم وهي تقود سيارتها مقررة الانتحار ومصطحبة ابنتها ذات الـ9 أعوام لتموت معها، في المسلسل الذي حقق نجاحاً كبيراً في هذه الأيام «مناورة الملكة». وصحيح أن الصغيرة قد نجت من الموت، لكنها لم تنج من أمها طوال حياتها!