بقلم - عائشة سلطان
من ذا يستطيع أن يؤكد أن ما هو عليه اليوم، يمثل حقيقته وإرادته فعلاً، وأن لا شيء هناك في أعماق ذاته، تناساه أو أغفله، ليتمكن من الاستمرار، لكنه يقفز للسطح بين آن وآخر، كما تقفز سمكة إلى سطح البحيرة، فتلمع تحت وهج الشمس، ثم تعود لتختفي.
كلنا هذا الشخص، بعضنا خنق تلك السمكة داخل بحيرة قلبه، حتى تعفنت، وبعضنا ظل يسمح لها بأن تتقافز على سطح البحيرة بين وقت وآخر، لكننا جميعاً نهرب من بريق المياه أحياناً، لأنها، كما قال إميل سيوران، في كتابه «المياه كلها بلون الغرق»: نحن نخشى أن نغرق، ليس خوفاً من الموت، ولكن خشية العثور على ذاتنا المطمورة في الأعماق، والتي لم تنل فرصة الظهور والحياة فعلاً، هذا هو الجحيم الذي يعيشه البعض!
في الحقيقة، كثيرون منا يعيشون حياة طويلة مليئة بالعلاقات والأشخاص والمشاريع، دون أن يسألوا أنفسهم، هل هذا ما أرادوه وحلموا به فعلاً؟ أم أنهم استجابوا لظروف وإكراهات الحياة، فسايروها، ثم اعتادوا حياتهم كما هي، لا كما أرادوا، لكنهم يكتشفون في وقت لاحق، أن ما حققوه أو ما وصلوا إليه وتباهوا به، لم يكن هو ما أرادوه بالفعل، وأن في داخلهم شخصاً آخر، كان لا بد له أن يخرج متمرداً ذات يوم، ليذكرهم بكل الذي كانوا يريدونه، لكن، ولسبب ما، خبَّؤوه في قلوبهم لسنوات طويلة!
لماذا نخاف لحظة الحقيقة أو المكاشفة تلك؟ لأنها اللحظة الفارقة، التي ستضعنا أمام مأزق اتخاذ قرار التغيير، الذي لطالما فررنا منه طوال سنوات، عندما تركنا احتياجات كثيرة تنمو، لتصبح شيئاً يشبه أحلامنا، ومع الأيام، انتمينا لها، وصدقنا أنها هي ما حلمنا به!