بقلم - عائشة سلطان
في كتابه «أزمنة الحداثة الفائقة» أي الأزمنة التي نعيشها اليوم، يقول الفيلسوف الفرنسي وعالم الاجتماع جيل ليبوفيتسكي:
«إن مجتمع الحداثة الفائقة مجتمع يتميز بالحركة والتدفق والمرونة والاستهلاك بلا حدود: الاستهلاك لأجل المتعة، والابتعاد عن المبادئ العظيمة التي صاغت أسس المجتمعات أكثر من أي وقت مضى..».
إن الفرد في مجتمعات الحداثة الفائقة يشعر بالتوتر إذا لم يكن على تماسّ مع مستجدات السلع والمنتجات وأنماط السلوكيات المتناسبة مع الحياة الحالية ومستجدات الموضة التي صار يتم تقييم مكانة الفرد من خلال امتلاكه واستخدامه لها.
لذلك فهؤلاء الأفراد، صغار السن منهم تحديداً، الذين يمتلكون لياقة عالية وروحاً تواقة، لا يكفون عن الركض اليومي أو الدائم، ليس الركض كرياضة ولكن للحاق بشيء ما وصل حديثاً: هواتف نقالة، تطبيقات برمجية، شكل جديد من الحميات الغذائية، نوع ثوري من عمليات التجميل، أجهزة رياضية حديثة وأحذية جري مبتكرة وباهظة الثمن، بناطيل جينز بقصات تبدو لك قبيحة.. إلى ما لا نهاية له.
هؤلاء الأشخاص غالباً ما يتم توجيههم بدقة نحو اللذة الدنيوية والمتعة التي تشبع عبر السوق، إلا أن ذلك لا يقودهم إلى الاكتفاء أو الرضا أو الأمان، فهم غالباً واقعون تحت وطأة أفكار وأحاسيس لا تتفق مع كل نظام الإشباع الذي يعيشونه، إنهم يعانون من الخوف والقلق الذي يتأتى من العيش في عالم ينزلق بعيداً عن التقاليد والروحانيات ويواجه مستقبلاً غامضاً.
إنهم بالغون وناضجون ولكنهم غير مستقرين وقلقين. فضلاً عن أنهم أقل تمسكاً بالدين في الوقت الذي هم فيه أكثر اتباعاً لتغيرات الموضة، أكثر انفتاحاً ولكنهم أسهل تأثراً، أكثر انتقاداً لكنهم أيضاً أكثر سطحية، أكثر شكاً وأكثر غموضاً. ولم يعد هناك أي نظام إيماني يمكن اللجوء إليه للطمأنينة والسكون، باختصار «تلك هي أزمنة الحداثة الفائقة التي نواجهها»، كما يقول مؤلف الكتاب.