بقلم - عائشة سلطان
يكتب الروائي ميلان كونديرا الكثير في رواياته متأملاً في الأفكار الكبرى التي لطالما شغلت الإنسان كالخلود والحب والسلطة والقمع والجهل والهوية، وكذلك في الأفكار التي تبدو لبعضنا غير ذات قيمة كالمزاح والبطء والضحك والنسيان والخفة والتفاهة!
لكن من قال بأن التفاهة فكرة ليست ذات قيمة؟! إنها واحدة من القيم الوجودية الكبرى التي تحكم سير الأحداث التي تشكل الحياة الإنسانية ولا قدرة لأحد في مواجهتها أو التحكم في مساراتها سوى بروح الفكاهة كما يقول كونديرا!
رواية كونديرا الأخيرة جاءت بعنوان «حفلة التفاهة» حيث تبدو الأحداث للوهلة الأولى وكأن لا معنى لها: يجتمع أربعة أصدقاء في حفلة عيد ميلاد يتحدثون في أمور لا معنى لها لتمرير وقت الحفلة، مثل حكاية الزعيم السوفييتي ستالين الذي ذهب في رحلة صيد فوجد أربعة وعشرين طيراً على شجرة، وبما أنه لم يكن يملك غير اثنتين وعشرين طلقة، فقد قنص 22 طيراً، وعاد ليجلب طلقتين فوجد الطيرين في انتظاره! ولأن الذين استمعوا للحكاية لم تصلهم روح الدعابة في الحكاية فهم لم يضحكوا ولكنهم أخذوا يسخرون من ستالين في دورة المياه!
لكن، ما الذي يبدو منطقياً فيما يحيط بنا لتكون حكاية طيور ستالين منطقية وليست مجرد مزحة تافهة؟ هذه التفاصيل والسلوكيات التي لا تعد ولا تحصى والتي يقوم بها ملايين البشر لا فرق بين عبقري وغبي، أو رجل من العامة وزعيم كستالين، أليست مليئة بالتفاهة؟!
القتل والحروب والمجازر والدمار، وضياع مستقبل الملايين بلا سبب، ماذا نسميه؟ أليس هذا أمراً يعطي انطباعاً وكأن التفاهة هي الجذر الذي يشد الأحداث أكثر من الجدية والمنطق والعقل؟ هذا ما أعاد كونديرا للكتابة بعد 14 عاماً من الصمت، عاد ليحتفي بالتفاهة ويودع المزاح وروح الفكاهة التي أصبح العالم يفتقدها!!