بقلم - عائشة سلطان
يتداول الناس أحياناً الكثير من المصطلحات ذات الطبيعة العلمية أو الفلسفية التي تحتاج إلى تدبر وتفكُّر، لكن معظمنا لا يفعل ذلك، حيث نختطف الكلام ونتناقله بخفة غريبة غير مدركين خطورة ما نفعل، خاصة حين يحصل هذا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، دون فهم وتدقيق وقراءة، إن هذه المصطلحات مثل: «التنوير، حرية الرأي، مراجعة التراث، القراءة العقلية للنص... إلخ»، والتي أصبح الناس يقذفونها كاتهامات في وجه بعضهم بعضاً، هي في الحقيقة ليست مجرد كلمات فارغة.
إن هذه المصطلحات تحمل في داخلها تاريخاً من التطور الفكري أسس له منظرون ومفكرون كبار في تاريخ العالم منذ بزوغ عصر الفلسفة في اليونان وظهور الفلاسفة العظام فيها، وهؤلاء تبنوا بدورهم آليات معينة لاختبار دقة وقبول أفكارهم، وقد كان الجدل والتفكير الحر، والنقد العقلي لكل شيء، والبحث والمناظرات والخلافات هي تلك الآليات التي أنتجت تاريخاً متراكماً ومتسلسلاً لم ينقطع من النظريات والكتب والأفكار.
لذلك، ليس لأي شخص أن يتحدث في التنوير والنقد دون أن يمتلك ثقافة جيدة وقراءات عميقة في هذا الجانب. ثم إن الأمر ليس كما نقله لنا البعض بشكل قاصر أحياناً، وغير موضوعي وغير علمي أحياناً أخرى، مشكلة البعض أنهم يتبنون كل ما يقال ويكررونه، وهذا يمكن أن يمر دون خسائر حين يتعلق بغلاء الأسعار وخدمات الصحة وحوادث المرور، لكن يصعب تمريره حين يتناول القضايا الخلافية في الدين والعلماء والنظريات العلمية على سبيل المثال.
كنت أردتُ الحديث عن كتاب الكاتب الألماني إيكهارت تول «قوة الآن»، إلا أنني فوجئت بكمّ وعمق الدلالات في كتابه، خاصة في ما يتعلق بالوعي وإيقاظ قوى التنوير في داخل كل إنسان، فأحببت أن أبدأ الحديث عن خطورة الكلمات التي نتداولها أحياناً دون فهم، ثم نحولها إلى معارك طاحنة.
يقول تول في كتابه: إن التأكيد على فكرة «أنا على صواب وأنت على خطأ» يحمل خطراً كبيراً يهدد العلاقات الشخصية، كما يهدد التفاعلات بين الأمم والقبائل والأديان وهكذا.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن جريدة البيان