بقلم - عائشة سلطان
عندما بلغ السادسة والسبعين من عمره، قررت لجنة نوبل أن الوقت قد حان ليحصل نجيب محفوظ على جائزتها العريقة، كان ذلك في 13 أكتوبر من عام 1988، أي قبل 32 عاماً من اليوم، بعدها لم تطرق يد الأكاديمية السويدية باب أي مبدع عربي آخر حتى اليوم، بينما ظل العديد من المرشحين المحتملين يتأرجحون على قوس الأمل المشدود ما بين بلاد العرب وعاصمة السويد!
وكان على محفوظ أن يشدّ الرحال إلى هناك، ليشهد حفل الجائزة المهيب الذي سيتوِّجه أديب نوبل العالمي، لكنه آثر عوضاً عن ذلك ارتداء بدلته التقليدية والذهاب لمقهاه المعتاد وتمضية السهرة مع أصحابه الحرافيش، مفضلاً متابعة الحفل عبر شاشة التلفزيون، في الوقت الذي كان الكاتب محمد سلماوي يتسلّم الجائزة نيابة عنه رفقة ابنتي محفوظ، فاطمة وأم كلثوم. وبعد إعلان اسمه وفوزه بنوبل، ظل السؤال عالقاً على ألسنة الأوروبيين: من هو نجيب محفوظ؟
ولقد أرسل لهم محفوظ إجابته في خطاب أرسله للأكاديمية السويدية المسؤولة عن الجائزة، قال فيه:
«سادتي، أخبرني مندوب جريدة أجنبية في القاهرة بأنّ لحظة إعلان اسمي مقروناً بالجائزة ساد الصمت، وتساءل كثيرون عمّن أكون، فاسمحوا لي أن أقدِّم نفسي بالموضوعية التي تتيحها الطبيعة البشرية. أنا ابن حضارتين تزوجتا في عصر من عصور التاريخ زواجاً موفقاً، أولاهما عمرها سبعة آلاف سنة وهي الحضارة الفرعونية، وثانيتهما عمرها ألف وأربعمائة سنة وهي الحضارة الإسلامية، قُدّر لي أن أولد في حضن هاتين الحضارتين، وأن أرضع لبانهما، وأتغذى على آدابهما وفنونهما، ثم ارتويت من رحيق ثقافتكم الثرية الفاتنة، ومن وحي ذلك كله - بالإضافة - إلى شجوني الخاصة، ندت عني كلمات أسعدها الحظ باستحقاق تقدير أكاديميتكم فتوّجت اجتهادي بجائزة نوبل، فالشكر أقدّمه لها باسمي وباسم البناة العظام من مؤسسي الحضارتين».