بقلم - عائشة سلطان
حينما اخترع الإنسان الكتابة وأدواتها كان همّه أن يتواصل مع الآخرين، أن يعبر عما في نفسه وعقله، أن يصف مشاعره وأن يصف نفسه ويصفهم، وأن يحفظ كل ذلك ويوثقه لمن سيأتي بعده، بعد ذلك أصبحت الكتابة متعة وعلماً ومتنفساً، ثم ظهر تيار يمازج بين علم النفس والأدب، اعتبر الكتابة طريقاً يمكن للإنسان عبوره نحو الاستشفاء والتحرر من المشاعر المكبوتة كالغضب والسخط والغيرة و.. إلخ.
يقول الاختصاصيون والكُتاب الذين عاشوا تجربة الاستشفاء بالكتابة إنهم كانوا يشعرون بالراحة فعلاً، وإن تلك الأفكار التي تحتل أدمغتهم وتؤرقهم تخرج تباعاً مع كل جملة وكل كلمة يكتبونها، وهنا تحضر تجربة الكاتبة الفرنسية آني إرنو وتحديداً في روايتها «الاحتلال» التي لم تتجاوز 60 صفحة في ترجمتها العربية، لكنها بحق تعتبر أوضح نموذج لتجربة العلاج بالكتابة كما روتها بنفسها!
«الاحتلال» رواية قصيرة خالية من الزينة اللفظية والثرثرة، حيث تذهب الكاتبة للهدف مباشرة منذ الصفحات الأولى، إنها امرأة ناضجة تماماً تقرر بمحض إرادتها أن تنفصل عن الرجل الذي ترتبط به، لكنها بعد الانفصال تعلم أن هذا الرجل ارتبط بامرأة أخرى، فتسيطر عليها حالة غريبة أقرب للهوس وفقدان التوازن، حالة تفاوتت بين الشعور بالندم والفقد والغيرة!
صار تفكيرها منصباً على تلك المرأة، كيف هي، وماذا تلبس، وما مقاس حذائها؟ صارت تجري محادثات مع سكان البناية التي تسكنها تلك (الأخرى) علّها تسمع صوتها، لقد مارست تصرفات غير متوقعة لإيذاء غريمتها، ولم ينقذها سوى الكتابة، تقول آني إرنو: «لقد احتلتني تلك المرأة، ولم يخلصني منها إلا الكتابة التي أخرجتها من رأسي فعلاً».
صارت تكتب مشاعرها ويومياتها والأفكار والهواجس بشفافية ومكاشفة، وتدريجياً أحسّت بأنها «شفيت» وتحررت من «احتلال» المرأة الأخرى بشكل نهائي!