بقلم - عائشة سلطان
بعد مُضيّ زمن طويل على تجربتنا في الحياة، سنجد أنفسنا ذات يوم نقف أمامها متأملين: فإما أن ننظر لها باعتداد حقيقي ورضا، على اعتبار أننا بذلنا أقصى ما يمكننا وحاولنا قدر جهدنا، وباعتبار ما منحته لنا التجربة من نضجٍ وغنى ومعرفة وانفتاح واتساع في زوايا النظر لكل ما في الحياة.
وإما أن نضخم ما أنجزناه على بساطته وعاديته، ثم نصدّق أننا أعظم أهل زماننا، فنزاحم للحصول على الألقاب ونغضب إن لم نحظَ بالجوائز وكلمات المديح والتقديرات المادية، ونسعى لأن نرتدي التجربة كثوب سهرة لامع بدل أن نجعلها معطفاً نتدفأ به ونستتر في غربة الحياة، فلأجل هذا المعطف كانت التجربة لا لأجل البريق الخاطف!
إن الذين ينضجون على موقد الأيام هم فقط من لا ينتظرون التصفيق، وإن الحكيم فقط مَنْ يعي حقيقة أن ليس كل ما يلمعُ ذهباً، هذه واحدة من خلاصات الحكمة التي تمنحنا إياها التجربة.
إن أحد أكثر الأسئلة شجناً وصعوبة في الوقت نفسه: حين تسأل نفسك بعد كل تجربةٍ قاسية أو مرهقة: أين ذهب الحب الذي كان؟ كيف تلاشى ذلك الألق؟ أين اختفى عشب الطرقات الخضراء؟
ما لي لا أرى فيّ أثراً لذاك الاندفاع والشغف؟ إن كل ما تسأل عنه مخبوء فيك لم يذهب بعيداً ولم يضمحل، لم يتلاشَ ولم يَضِعْ، لكنك وأنت تعبر الجسور تلقي في المياه التي في أسفلها ما تستطيع لتتخفف ولتعبر، بينما على جوانب الطرقات حوانيت بلا عدد تدخلها فتنتقي وتأخذ للرحلة الطويلة ما أنت بحاجة إليه، ثم تقايضه بما لم تعد تحتاجه!
وحين ستشارف الرحلة تمامها، ستعرف كم أنت ممتلئ بالخيرات وبالوعود، فالطريق إلى الحكمة ملأنا بما كفانا وثبتنا وأوغل تجذيرنا في أرض إنسانيتنا، نحن في النهاية ممتلئون بكل ما نحبه ولا نحبه، بكل قوتنا وضعفنا، بكل ما وجدناه فينا يوم وُلدنا وبكل ما منحتنا إياه وأضافته لنا الحياة، بكل ما عرفناه عبر الأيام والمواقف فاستوعبنا حجمه وقدره، وبكل ذلك الذي ارتطمنا به ففوجئنا وأُصبنا بالدهشة وفتحنا عيوننا، بكل ما هو جميل وطفولي وحنون وناصع وقاسٍ وشاسع، وبما لم نتخيل وجوده يوماً، لكننا قبِلنا وحملنا معنا ومشينا.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن جريدة البيان